آراء

القطاع الصحي في تونس يرقد في غرفة الإنعاش

أمر يزيد النفوس قتامة وسخطا وتذمّرا على المعاملات اللاّإنسانيّة التي يعامل بها المواطن التونسي لدى توجّهه طلبا للإسعاف وللتدخّل الطبّي في مستشفياتنا العموميّة، استخفاف بالأرواح ما بعده استخفاف دفعني كمواطن شاعر بما يحصل لأبناء وطنه لتشخيص وضع قطاعنا الصحّي كيف ما اتفق، وهكذا رأيت قطـــاعنا الصحّي يرقد في غرفة الإنعاش مازال القطاع الصحّي في تونس قمقما مغلقا بإحكام لم تفكّ “شيفرة” ألغازه بعد رغم ما حفّ به من مستجدّات وما شمله من تطوّرات في اتجاهات متعدّدة المناحي في العقدين الأخيرين وخاصّة بعد الثّورة.

حقائق كثيرة ظلّت،إلى حدّ السّاعة،طيّ الكتمان ومن “التّابوهات” المسكوت عنها الأمر الذي أفرز واقعا حيّر عموم المواطنين وقضّ مضاجع المرضى سيما جماعة منظومة العلاج العموميّة الذين لا حول لهم ولا قوّة غير الإقبال “مجبرين لا أبطال” على ارتياد المؤسّسات الإستشفائيّة “الحكوميّة”،إن صحّت العبارة،والتي بقيت في نظر المتواترين على خدماتها دون مستوى الإنتظارات ولا ترتقي إلى المواصفات والمعايير الموضوعيّة.

إشكاليّات عويصة لا حصر لها تجابه المرضى خلال رحلاتهم العلاجيّة القصيرة والطويلة على حدّ السّواء في العيادات الدّاخليّة والخارجيّة للمستشفيات والمستوصفات بالنسبة للحالات الإستعجاليّة كما الأمراض المزمنة والمستعصية والتي تستوجب مراقبة طبيّة مستمرّة،ناهيك أنّ المعاينة الموطنيّة كفيلة بكشف معضلات شتّى تتمثّل أساسا في غياب الأدوية خاصّة منها باهضة الكلفة والتي تعجز أيادي محدودي الدّخل وحتّى فئة واسعة من الطّبقة المتوسّطة أن تطولها,وليس الغلاء في حدّ ذاته هو الإشكال الوحيد بقدر ما يمثله فقدان أدوية “ما أنزل الله بها من سلطان” تخصّ أساسا حاملي “الدّاء العضال” بما يعرّض حياة مستعمليها إلى مالا يحمد عقباه. هنات ونقائص وكبوات المنظومة الصحيّة ببلادنا لا تقف عند حدود نقص الدواء أو شطط سعره بل تتخطّاها لتشمل أدوات العمل البسيطة ووسائله البسيطة وآليّاته الضروريّة ويكفي أنّ نلفت النظر إلى خطورة المحدقة بالحالات الإستعجاليّة على وجه الخصوص جرّاء فقدان أجهزة الكشف بالأشعّة “سكانار” أو تعطّلها بأغلب المستشفيات وانعدام تواجد ماكينات الأشعّة بالرّنيم الميغناطيسي المصطلح عليها في القاموس الطبّي اختصارا بـ ” IRM” التي بقيت حكرا على المصحّات الخاصّة فضلا عن ذلك يظلّ النقص المسجّل في الكادر الطبّي و”شبه” الطبّي في بعض الإختصاصات الحسّاسة وعلى رأس القتائمة تأتي أمراض السّرطان وأمراض الشرايين والقلب والوباءات بأنواعها والجراحات الدّقيقة,عافانا وعافاكم اللّه,يظلّ حجر عثرة ومطبّا أمام التدخّل الطبّي النّاجع لفائدة حاملي العلل والأسقامالخطيرة والمزمنة ممّا ينجرّ عنه إسداء خدمات من قبيل “عندكش عندي” و”كان عاش..عمر الكلاب طويل وكان مات موش خير ملّي قبلو”.

هذا هو الواقع دون تزويق وبلا فبركة أو تلميع كاذب وهذا البلاء ينسحب على كلّ مرتادي مؤسّساتنا الإستشفائيّة العموميّة طلبا للعلاج. وما يفرض نفسه بقوّة في هذا الظرف بالذات الذي تمرّ به بلادنا هو الإخلالات الحاصلة في مسالك توزيع الأدوية وترويجها عبر أنحاء الجمهوريّة على مستوصفاتنا ومستشفياتنا .

كذا الأمر بالنسبة لعمليّة التوزيع على النقاط الصدليّة في ظلّ رواج أخبار حول احتكار بعض الأطراف خاصّة للأدوية باهضة الثمن من أجل بيعها في الأسواق الموازية أو تهريبها خارج حدود الوطن حيث يجمع عدد هامّ من الصيادلة على أنّ “توزيع الدواء يتمّ في أحيان كثير بطرق أقلّ ما يمكن أن يقال عنها أنّها غير قانونيّة ولا تخضع لمبدإ القسمة العادلة”ويؤكّد مرضى كثيرون أنّ بعض الأدوية “تباع بالوجوه والمعارف”.

 المواطن التّونسي يعيش في الآونة الأخيرة خوفا وهلعا يلازمنه على صحّته في ظلّ تفاقم الأخطاء الطبيّة بالمستشفيات والمصحّات الخاصّة بشكل ملفت وخاصّة وأنّ كثيرين من بينهم أهل الطبّ والتمريض يسافرون في رحلات علاجيّة بما يبعث برسائل لا تطمئن المريض التّونسي المقبل على التداوي ومسلم الرّوح لأبناء البلد,وهذا القول لا يقال من باب التجنّي أوالمزايدة وإنّما تؤكّده وتكشفه الأرقام المعلنة والمنشورة إعلاميّا حول الوفيات نتيجة الإهمال الطبّي وانعدام الإهتمام بالمرضى عبر التّأخير الحاصل في عمليّات النجدة والتدخّل,وتروج في أوساط التونسيين معلومات يتناقلونها بصفة شبه يوميّة عن تسجيل وفيات توصف بـ”المجّانيّة” في صفوف النّساء الحوامل. قطاع واسع من التّونسيين يريدون من أصحاب الشأن,من حكومة ومهنيين ونقابات,توضيح اللّبس عمّا علق من شوائب بالمجال الطبّي بما يحضّ على المضيّ قدما في الإتجاه الإيجابي الذي يقود في نهاية المطاف إلى إرساء منظومة صحيّة ناجعة وذات جدوى تخضع لمراقبة متواصلة على مدار السّاعة ومتابعة دقيقة تحفظ حرمة الذّات البشريّة وتجرم أيّ” انتهاك في حقّها. المرضى خاصّة منهم المعوزين ماديّا يتسائلون في اليوم الواحد مرّات ومرّات من سينقذ حياتهم ويساعدهم على الشفاء من أسقامهم وقطاعنا الصحّي بدوره نزيل بغرفة الإنعاش.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق