العراق إختار الطريق إلى الفوضى والحروب المتواصلة … الجزء الرابع
رغم جهوده المخلصة في مجال مكافحة الإرهاب كانت المكافأة التي تنتظره أن يتم القبض عليه بتهم المشاركة في الإرهاب ..! ومن ثم الحكم عليه بالإعدام ، ثم يطلق سراحه في العام2013 عندما تمكن من الاستئناف ضد الحكم وجد القاضي إن مجمل الاتهامات المنسوبة إليه لا أساس لها من الصحة، كما لا تتوفر ضده أدلة قاطعة ، بعد ذلك تفكك تجمع الصحوات وتلاشى تأثيرها بعد أن أجبرت في أيام قوتها فلول القاعدة على التراجع إلى المناطق الريفية النائية وألحقت بهم الضربات الموجعة ، وجعلت تنظيمات القاعدة في حالة من الارتباك والفوضى وأفشلت أغلب خططهم ، ثم تعززت قوة تنظيم القاعدة بعد اعتقال الكثير من قادة الصحوات من أمثال المواطن ” محمد حسين حاسم ” ذاك الفعل خلق فراغا أمنيا.
ولذلك سارعت الجماعات المتطرفة لاستغلال الموقف ، أذكر في زيارة قمت بها إلى منطقة ” جرف الصخر ” وهي منطقة تتكون من مجتمع زراعي وتقع جنوبي بغداد ،قال بعض السكان لي أنهم موضع شبهة كبيرة وطرفي النزاع ضدهم وهم لم ينخرطوا في المجموعات السنية المتشددة .
كما أن الجيش لايثق بهم ويعتبرهم قسرا من أنصار داعش ولا يوفر لهم الحماية المطلوبة ، لا أحد من المجتمع أو تكوينات الدولة تقدم لهم الحماية الكافية ، إنهم يفتقدون الآمان والسلام ،وبدلا من العمل في الزراعة تركوا أرضهم وهربوا إلى مناطق أخرى يتوفر فيها الأمن ..
عندما حصلت انتخابات عام 2010 كانت البلاد منقسمة بشدة ، وجاءت نتيجة التصويت متعادلة تقريبا بين مجموعة ” المالكي – وقائمة العراقية التي يرأسها أياد علاوي ” ودخلت البلاد في مخاض عسير لمدة تسعة أشهر دون حسم ثم عقدت مفاوضات سرية بين الأمريكيين والإيرانيين لتشكيل الحكومة فيما أطلق عليها وفق مصطلح كاذب وفارغ ” حكومة وحدة وطنية ” ووفقا للتسوية تلك تم التوصل إلى صيغة تراضي على أن يتولى المالكي منصب رئيس الوزراء ومجمل المناصب الهامة وكان من حصة القائمة العراقية وزارة المالية ومنصب نائب رئيس الجمهورية ووزارة الدفاع ، كما اقترح أن يكون ” علاوي ” رئيسا لمجلس استشاري عسكري – سياسي يتم استحداثه – ذاك الاقتراح دفعته الولايات المتحدة بقوة لتهدئة حالة المواجهة بين الكتلتين وطالبت أن تراه متحققا ، ولكن بمجرد إن جلس ” المالكي ” في كرسي المرحلة الجديدة رفض التخلي على وزارتي الداخلية والدفاع ، كما عمل على إحباط فكرة إنشاء المجلس العسكري السياسي ، وحصل نائب رئيس الجمهورية – طارق الهاشمي وهو من السنة على المطاردة مع التهديد بالحبس وصدرت بحقه مذكرة توقيف ، وتمكن من الهرب إلى الخارج ، وجد ” نوري المالكي ” أن بقائه في الحكم يعتمد على الحد من قوة معارضيه وبكل قسوة ومنهم الكتلة التي يقودها ” علاوي ” وأنه لن يسمح للقوى الشيعية المعارضة من أمثال جماعة ” الصدر ” أو القوى السنية من إزاحته عن السلطة فأطلق مقولته التي استهجنها الجميع ” ما ننطيها “…
في الأشهر الأولى من عام2000 أرتفعت حماسة الجماهير العراقية وحلمت بصنع الفضاء الديمقراطي كما هي حالة الاحتجاج في دول عربية شرق أوسطية وأفريقية ، وكانت آمال شعب العراق أن تدفع تلك الاحتجاجات تشكيل حكومة عراقية أكثر ديمقراطية في ظل الاحتلال المتواصل للبلاد من قبل أمريكا وبريطانيا وإيران ، كانت الجماهير تريد حكومة نزيهة تعمل من أجل تغيير وضع الشعب المأساوي وأنها ممكن أن تتخذ قرارات بشأن إصلاحات كبيرة.
ولكن ذلك لم يحدث البتة ، ووجد الشعب نفسه وقد وضعته الحكومة المالكية في مهب الريح وفي مواجهة أزمات لاحدود لها حيث التدهور قد طال جميع مناحي الحياة ، المالكي ” الذي صار خصومه يصفونه بالدكتاتور الجديد ” صار يجمع من حوله شرذمة من اللصوص والذين يفتقدوا إلى المؤهلات العلمية والخبرات في إدارة الدولة وعملها ، كانت حكومته عبارة عن صفقة للتراضي مع الأطراف فقط لكي يبقى ويخطط للعبور إلى ولاية أخرى وينفذ خططه في الاستحواذ على الثروة والصولجان .. في 25 فبراير من العام 2011 خرج آلاف الشباب من أبناء العراق من أولئك الذين أنتبهوا إلى لعبة المالكي وحكومته واكتظت بهم ساحة التحرير والشوارع المؤدية لها وأيضا حصل الإحتجاج بنفس القوة في 12 محافظة عراقية وخاصة في الجنوب ونتج عن ذلك استقالة أثنين من المحافظين في المحافظات الشيعية – هما أضطرا إلى الاستقالة بفعل الضغط الجماهيري وتهديدهما بالقتل ، صار المالكي والذين معه داخل حالة القلق والهستيريا وكادت الجماهير بين قوسين أو أدنى من إسقاط النظام وكما حصل في تونس ومصر ، لكن المالكي خرج من ذاك التأزم بلعبة جديدة لاستغفال الشعب عندما أعلن طالبا مهلة مائة يوم لحكومته لكي تنجز برنامجها وتتخلص من أشكال الفساد الكامن في عملها وممارساتها ، وتعهد بتحسين الخدمات وتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب والأمان ، وفي ذات الوقت دفع قوى الشرطة والأمن ووحدات الجيش لضبط القوى التي تنتقد حكومته من الشيعة والسنة، في تلك الفترة كان العراق يعوم على بحار من المشاكل ولا سبيل لحلها في ظل حكومة تتكون من لصوص متخلفين ورجل يدفع بنفسه ليكون ديكتاتورا جديدا ، والمضحك أن الأحزاب والقوى التي ساهمت في الاحتجاجات آنذاك لم يكن لديها برامج عمل واضحة بل كانت تعمل ذاك الاحتجاج من أجل الإعلام والكسب الرخيص ، وهي تحاول الضغط على القوى والأحزاب المنافسة لها .
راح المالكي يهدد ويتوعد القادة الذين يعارضونه تارة بالابتزاز بكشف ملفات سرقاتهم أو تورطهم بصفقات أو مخالفات مالية أو تعاونهم مع قوى أجنبية أو تارة بتقديم الرشوة لهم أو تبني مطالبهم ، كانت الدولة كلها ومعها الشعب يدوران في فراغ .. في ذاك الصيف القائظ أتخذ المالكي خطط استبدادية تكتيكية ظالمة ضد احتجاجات الجماهير في الجمعة الثانية في بغداد في شهر يونيو ، دفع أنصاره وعملاء من رجال الأمن أنتشروا بين جموع جماهير الاحتجاج بثياب مدنية ، نزلوا على المتظاهرين بالضرب بالهراوات والسكاكين ، كانت مجاميع من عصابات محترفة ، يقودها ” المالكي وأعوانه في الظل ” كانوا يهتفون بأنهم ضحايا الإرهاب ويرفعون صور لأياد علاوي عليها علامة حمراء على شكل أكس وضعت على وجهه ، كانوا يهتفون ” الموت للبعثيين ” وبينما كانت مجموعات من الجنود النظاميين تقف غير بعيد عن مكان المواجهة في حالة مراقبة دون التدخل ، بينما كان عدد من مسؤولي مكتب المالكي وقيادات حزبه في مكان المواجهات وهم يحرضون أنصارهم ويمتدحون فعلهم في مواجهة أعداء الحكومة .. كانت مهزلة كبيرة …. ويستمر المشهد الضبابي ، ولكن مالذي حصل بعد ذلك ….؟!
” يتبع ”