آراء

طبيعة الحرب في اليمن

تكمن الأسباب الظاهرة في رفض الحوثيين للقرار الذي أصدرته الحكومة اليمنية المتعلق بالزيادة في أسعار المحروقات مع المطالبة بالتراجع عنه والدعوة لإسقاط حكومة الوفاق المؤلفة بالمناصفة بين حزب الرئيس السابق   علي عبد الله صالح وأحزاب اللقاء المشترك والتي استثنت الحوثيين منها . 

ورغم الاستجابة لمطالبهم بإقالة الحكومة والتقليص في الزيادة التي شملت المحروقات، واصل الحوثيون محاصرة العاصمة صنعاء ونصب الخيام ثم تحولت مظاهراتهم واعتصاماتهم إلى مواجهات مسلحة مع الجيش النظامي وتمكنوا من الاستيلاء على العديد من المقار الحكومية.

لكن كيف أمكن لمجموعة ظلت على مدى عشرات السنين  مهمّشة ومحاصرة  في جبال صعدة  من قبل النظام اليمني أن ينتشر نفوذها بمثل هذه السهولة وفي وقت قياسي وتتمكن من الوصول إلى العاصمة والاستيلاء عليها رغم أنّ عدد مقاتليها لا يتجاوز العشرين ألفا والحال أنّ الجيش اليمني يتجاوز النصف مليون، وفي النهاية أجبرت الرئيس عبد ربه منصور هادي على الهروب إلى خارج اليمن والاحتماء بالنظام السعودي ؟

 للإجابة عن هذه الأسئلة وتحديد الأسباب الحقيقية لهذه الحرب علينا أوّلا معرفة الأسس العقائدية التي يرتكز عيها الحوثيون والبحث في علاقتهم  بالنظام اليمني والكشف عن الأطراف الإقليمية التي تقدم لهـــم الدعم والإسناد المطلوب . 

الاسم السياسي و التنظيمي للحوثيين هو “حركة أنصار الله” وهي حركة دينية  عقائدية مسلّحة هدفها الإطاحة بالنظــــــــام الجمهوري ( الحكم المدني) واستبداله بالإمامة المرتكزة على البيعة ، انشقت فكريا ومذهبيا عن المذهب الزيدي وسارت على نفس المنهج الذي تبنّاه حزب الله في لبنان ، ولا يختلف الحوثيون عن شيعة إيران الاثني عشرية كثيرا، و هم يمجدون “ثورة الخميني” ويعتبرون حزب الله النبراس الذي يجب أن يسيروا علي هديه، ويروّجون لفكرة الخروج على الحاكم ويدعون لفكرة “الإمامة” بما يعنيه ذلك من إحياء فكرة الوصيّة للإمام علي وأبنائه ويحرضون على الحد من سلطة السنّة وقتلهم واستحلال أموالهم . وشعار حركتهم هو: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، اتخذت الحركة من جبال صعدة مركزا رئيسيا لها، وعرفت بهذه التسمية نسبة لمؤسسها حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات النظامية اليمنية سنة 2004 باعتباره الأب الروحي للجماعة التي تأسست سنة 1992 للسيطرة على السلطة وإحياء نظام الإمامة  الذي تمّ إسقاطه سنة 1962  .

اندلع الصراع بينهم وبين النظام اليمني منذ تأسيس حركتهم و تحولت مواجهاتهم  المتقطعة مع النظام إلى صراع مستمر من 2004 إلى 2011 أي زمن حكم علي عبد الله صالح، كما اشتبكوا مع القوات السعودية سنة 2009 فيما يعرف بنزاع صعدة وفشلت السلطة في القضاء عليهم والحد من خطورتهم بسبب عدم قدرتها على معالجة الأسباب الحقيقية لظهورهم وإيجاد حلول مناسبة لمشاكلهم المزمنة، في المقابل اتهمتهم الحكومة الحالية وحزب التجمع اليمني للإصلاح الاخوانجي والنظام السعودي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية بتلقي الدعم من إيران رغم أنهم ينفون ذلك .

وقد أيّدوا الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت سنة 2011 واعتصموا بساحات التغيير بصنعاء وصعدة، كما اعترضوا على المبادرة الخليجية واشتبكوا مع أطراف مرتبطة بحزب الإصلاح بلغت ذروتها ما بين 2013-2014 .

و يفسّر تمكّنهم من السيطرة على صنعاء وعدّة مدن يمنية أخرى في ظرف زمني وجيز بالدعم القادم من إيران فضلا عن  وجود قوى أخرى يمنيّة تحالفت معهم وساعدتهم على هذا الإنتشار السريع . فمن تكون هذه القوى ؟ وكيف أصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم ؟ 

الإجابة تأتينا من الميدان من خلال التحالف الحاصل بينهم وبين أنصار على عبد الله صالح الذين يقاتلون جنبا إلى جنب قوات عبد ربه منصور هادي وحلفاءه .

فكيف تمّ  هذا التحالف وعلى أيّة أرضيّة بني ؟ تفيد بعض الإحصائيات أنّ الصراع بين الحوثيين والنظام اليمني بقيادة علي عبد الله صالح تسبب في مقتل حوالي 20 ألف جندي وإصابة 10 آلاف بإعاقات مختلفة والقضاء على 30 آلف مدني مع نصف مليون من المهجرين والنازحين قسرا و13905 حالة انتهاك تعرض  لها المدنيون في صعدة وحجّة وتدمير 6 آلاف منشأة حكومية، وقتل الأب الروحي للحوثيين وهو ما يجعل علاقتهم بعلي عبد الله صالح عدائيّة إلى أبعد الحدود  وغير قابلة للترميم .

غير أنّ طبيعة العلاقة بين الأطراف الرجعية تجعل من تحالفاتها غير مرتكزة على المبادئ بقدر ما تبنى على المصالح خاصة الآنية منها لأنّ التناقضات بينها تظلّ ثانويّة وليست رئيسيّة وهو ما يفسّر تجاوز هذه الأطراف لعدائها  القديم فمصالحهما الحالية تقتضي تحالفها الأمر الذي دفع بعلي عبد الله صالح إلى تكليف إبنه أحمد بالاجتماع بالإيرانيين في روما قبل عدّة أشهر من هجوم الحوثيين على صنعاء وعقد صفقة سريّة معهم لتسهيل مهمّتهم وهو ما يفسر لماذا كانت قوات علي عبد الله صالح تنسحب كلما اقترب الحوثيون منهم وتترك لهم مواقعهم بأسلحتها وعتادها الحربي. لقد سمح علي عبد الله صالح للحوثيين ببسط سيطرتهم على مدينة صعدة والتمدّد في مناطق أخرى ، كما سهّل لهم مهمّة الاستيلاء على معسكرات موالية له ولابنه أحمد وحصولهم على معدات حربية وأسلحة ثقيلة ، كما رفع الدعم عن القبائل الرافضة لهيمنة الحوثيين ووضعها في موقف ضعيف جعلها تخضع وتترك مناطقها لتسقط في أيديهم دون مقاومة تمهيدا للحرب القادمة ، بمعنى أدقّ أن علي عبد الله صالح كان يمهّد لحرب قادمة ، لكن لمصلحة من  ؟ 

عندما نعلم أنّ المخابرات الأمريكية كانت على علم بلقاء أحمد نجل علي عبد الله صالح بالإيرانيين وتكتمت على ذلك ولربّما كانت على بيّنة أيضا من فحوى هذا اللقاء وما تمّ الاتّفاق عليه يمكن لنا الجزم أنّ هذه الحرب تم التمهيد لها من الأطراف الرجعية اليمنيّة بالتنسيق مع أطراف إقليميّة أخرى  .

وتكمن مصلحة الحوثيين في الانتشار داخل اليمن والاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من مناطق وبسط نفوذهم عليها حتى يمكن النظر إليهم على أنّهم قوّة لا يمكن الاستهانة بها وبالتالي لا يمكن استثناؤهم مثلما تمّ في السابق من أيّة تسوية يمكن أن تتمّ في المستقبل ، إنّهم يسعون لنيل نصيبهم من السلطة ، بينما تكمن مصلحة حلفائهم الإيرانيين في الدفع بالمد الشيعي الطائفي إلى أقصاه على حساب السيطرة السنيّة ، إلى جانب بحثهم عن موطئ قدم في الخليج العربي نظرا لموقعه الإستراتيجي خاصة فيما يرتبط بالتجارة الخارجية وكذلك للاقتراب أكثر ما يمكن من  ” عدوّهم ” الطائفي المملكة السعودية الداعم الرئيسي للتيار الوهابي المعادي للتيار الشيعي والسعي لمحاصرتها .

أما أهداف علي عبد الله صالح  من هذا التحالف فتتمثل في الانتقام أوّلا من خصومه السياسيين الذين تآمروا عليه في السابق  مثل اللواء علي محسن الأحمر الذي انشق على الجيش   وعبد ربه منصور هادي الذي خرج عن طاعة رئيسه . وهذه  أهداف ثانوية لعلي عبد الله صالح مقارنة مع ما يخطط  لبلوغه من السيطرة على السلطة من جديد وبمساعدة الحوثيين الذين ربما كان الاتّفاق معهم على تقاسم السلطة فيكون على رأسها عبد الملك الحوثي وأحمد نجل على عبد الله صالح بينما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدفع بالصراع إلى أشــدّه ومزيد تغذيته تماشيا مع متطلبات مصالحها الإستراتيجية (مشروع الشرق الأوسط الجديد المرتكز على سياسة الفوضى الخلاّقة) وتغيير وجهته ليتخذ طابعا طائفيا (شيعة ضد السنة) وجهويا (الجنوب ضد الشمال ) لمزيد تقسيم اليمن وتفكيكه خاصة وأنّ التقرير الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة مطلع هذا العام  يفيد أنّ اليمن التي يبلغ عدد سكانها 26 مليون توجد بها ما بين 40 إلى 60 مليون قطعة سلاح بمعنى أنّ التربة خصبة لتأجيج الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في هذا الجزء من الوطن العربي . 

من المعلوم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية استغلت الهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة سنة 2000  بشواطئ مدينة عدن على المدمرة  كول   لإجبار الحكومة اليمنية على الموافقة على اتفاقيّة “الحرب على الإرهاب” في الفترة ما بين  2004 و2011 بما يعني فتح الأجواء اليمنيّة لتحليق واستطلاع الطائرات الأمريكية بحجة ملاحقة عناصر القاعدة.

ولضمان المزيد من التنازلات لفائدتها، وكان الهدف  الأول لأمريكا من تأجيج الصراع في اليمن هو تشتيت  صفوف الجيش اليمني الذي كان يعد في المرتبة الخامسة عربيا عن طريق دعم ارتباطاته بولاءات لزعامات رجعية وعميلة متعددة ومتناحرة وتغذية الإقتتال بين صفوفه ليزداد ضعف النظام الحاكم في اليمن وتزداد بذلك حاجته الملحّة للحماية من طرف قوى خارجية وبالتحديد أمريكا التي تراهن على تمكينها من المزيد من الامتيازات وهو ما عبر عنه الرئيس هادي عند تأديته لليمين الدستوريّة أمام البرلمان اليمني في 25-02-2012 مؤكدا عزمه على محاربة القاعدة باعتبار ذلك واجبا دينيا وطنيا كبرهان منه على مواصلة العمل باتفاقيّة “الحرب على الإرهاب” السابقــــــة وتعبيرا منه على ولائه لحلفائه الأمريكيين وهو ما أكّده فيمـــــــــا بعد السفير الأمريكي في صنعاء جيراد فايرستاين “اليمن برئيسها عبد ربه منصور هادي تعتبر أكثر تعاونا من نظام علي عبد الله صالح”.

إنّ هذا التصريح يؤكّد ما ذهب إليه البعض من متابعي الشأن اليمني بأنّ الحضور العسكري الأمريكي في العديد من المحافظات اليمنية أصبح واقعا وحقيقة لا يرقى لها الشك زادت في تدعيمها تصريحات السفير الأمريكي في سبتمبر 2012  ردّا على الجدل الذي أثير في هذا الشأن بأنّ مجموعة صغيرة من المارينز وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمّت مع الحكومة اليمنيّة.

كما أضاف في بيان نشرته السفارة الأمريكية “سيعمل عدد قليل من القوات الأمنية الإضافيّة وبشكل مؤقّت على المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء”، فأمريكا تعمد في كلّ مرّة إلى إشعال الحرائق ثمّ  تناور فيما بعد بإبداء استعدادها للمساعدة على إطفائها خدمة لمصالحها الإستراتيجية فأيّة مصالح لأمريكا في بلد ينهشه الفقر ؟ لا شكّ أنّ الصراع بين قوى الهيمنة يتحكم فيه الجانب الاقتصادي وأنّ الخلاف على أشدّه بين هذه القوى من أجل السيطرة على التجارة الخارجية والمنافذ البحرية وهو ما يوفر لنا جانبا من الإجابة عن السؤال المطروح حول أهمية اليمن بالنسبة لأمريكا .

 إنّ الموقع الجغرافي لليمن المتميز بحدود بحرية تمتد على طول 2500 كلم ومطلّة على بحر العرب وخليج عدن من الجنوب والبحر الأحمر من الغرب، إضافة إلى العديد من جزره المتناثرة سواء ببحر العرب أو البحر الأحمر يجعل منه موقعا استراتيجيا زاده أهمية مضيق باب المندب أحد المضائق المائيّة الذي يعتبر ثالث مضيق عالمي بعد مضيق هرمز ومالاقا والذي يمرّ عبره يوميّا حوالي 4 بالمائة من الطلب العالمي للنفط وتعبره سنويّا 21 ألف سفينة بما يعادل 10 بالمائة من الشحنات التجارية العالمية فموقع اليمن الجغرافي الهام يجعله عرضة للأطماع الخارجية ممّا يزيد في حدّة الصراع بين قوى الهيمنة العالمية على المزيد من تركيز نفوذها داخل هذا القطر العربي الذي يمكّن الجهة المسيطرة عليه من لعب دور أساسي في المنطقة ويعطيها القدرة على التحكم بمدخل أهمّ المعابر المائيّة في العالم .

إنّ الهدف الحقيقي للامبرياليين الأمريكيين من خلال تأجيجهم للصراع الدموي في اليمن هو المزيد من تمركزهم  فيه  للسيطرة على جزء هام من التجارة البحريّة وتركيز مناطق عسكرية تكون قريبة من الجزء الجنوبي للقارّة الإفريقية وكذلك لمراقبة روسيا والصين والدول الدائرة في فلكهما و خاصة إيران  فضلا عن الأموال الطّائلة التي ستجنيها من خلال بيع الأسلحة لكل الأطراف المتصارعة.

إنّ تحديد أهداف الأمريكان من إشعال فتيل الحرب في اليمن يحيلنا إلى الكشف عن طبيعة السلطة التي كانت تحكم اليمن والتي فرّ رئيسها عبد ربه منصور هادي إلى السعوديّة  التي تقود اليوم الحملة العسكرية على اليمن والتي أطلق عليها “عاصفة الحزم”. هذه السلطة التي مكنت الأمريكان من مزيد التغلغل في القطر العربي اليمني وتدعيم تواجدهم العسكري    إضافة لتنسيقها مع العديد من الأنظمة الرجعية العربية بقيادة السعودية لتدمير اليمن بسكانه ومنشآته وبناه التحتية . 

يتّضح إذن أنّ الطرف الأول في الصراع الذي يضمّ الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح يتكون من أطراف رجعيّة وعميلة (تحالف بين الكمبرادور والإقطاع) هدفها الرئيسي الاستيلاء على السلطة  في اليمن (تركيز إمارة مستقلّة لإحياء فكرة الإمامة) أو الحصول على نصيبها بمعنى أن تكون ممثلة في أيّ تسوية يمكن أن تتمّ مستقبلا خاصّة وأنّ المحادثات التي تتمّ حاليا بين الأطراف المتصارعة والتي ترعاها أمريكا لحلّ الأزمة تتجه نحو هذا الهدف، إضافة لكون علي عبد الله صالح الرئيس السابق لليمن لم يكن سوى عميل للأمريكان ومدعوما من قبل الأنظمة العربية الرجعية خاصة النظام السعودي الذي آواه إثر تعرضه لمحاولة اغتيال ومكنه من تلقي العلاج اللازم ثمّ أعاده لليمن من خلال المبادرة الخليجية التي وفّرت له الحصانة القانونية والقضائيّة ولمن عملوا معه طيلة فترة حكمه التي امتدّت على مدى 33 سنة  ( الفصل الثالث من المبادرة ) . فما هي طبيعة الطرف الثاني في الصراع ؟ 

   من خلال الكشف عن أهداف أمريكا من الصراع الدائر في اليمن ، أمكن لنا التعرف على طبيعة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يقود الطرف الثاني في الحرب. وهو بيدق آخر من بيادق الأمريكان. ويضمّ التحالف الذي يقوده هادي مجموعات مختلفة تحت مسمى اللجان الشعبية  ومجموعات مسلّحة من الحراك الجنوبي الساعية إلى إعادة بناء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد إفلاس تجربة الوحدة بين الشمال والجنوب إضافة لمجموعات قبليّة.

وقد وجد الحراك الجنوبي نفسه في حالة انقسام فهناك قسم منه منخرط في التحالف مع هادى و قسم آخر يرفض ذلك، علما أن الحراك سليل تجربة تاريخية معادية للطائفية والعشائرية وذات مضامين ثورية عرفت أزهى فتراتها تحت قيادة سالم ربيع على، ويطرح على الثوريين فيه الوفاء لتلك التجربة وعدم الارتهان لأي طرف من الأطراف الرجعية المتقاتلة. 

إنّ ارتباط هذا التحالف بالرجعية السعوديّة   التي لا يمكنها التحرّك في أيّ اتّجاه إلاّ بتعليمات أسيادها الأمريكيين يجعل منه أيضا تحالفا رجعيّا هدفه السيطرة على السلطة مهما كانت التكاليف حتّى لو أدّى الأمر إلى تدمير اليمن بالكامل وهو ما قامت وتقوم به إلى حدّ الآن المقاتلات السعوديّة عبر ما سمّي “عاصفة الحزم” ثمّ “عمليّة  إعادة الأمل”. 

 إنّها إذن حرب رجعيّة  كما أنها حرب بالوكالة بين إيران والسعودية يغذّيه التنافس بين النظامين على السيطرة الطائفية  من أجل الفوز بمهمّة شرطي الخليج العربي و أهمّ متضرر من هذا الصراع هم الكادحون في اليمن الذي قسّمته الحرب إلى طوائف وقبائل متناحرة ودمرت بناه التحتية  من جسور وطرقات ومطارات وموانئ ومدارس ومعاهد ومستشفيات ومحميات سكنيّة وتجهيزات وقنوات الصرف الصحي والماء الصالح للشرب ممّا زاد في تفاقم وضعه الصحّي.

كما ساهمت في مزيد تفقير شعبه وتجويعه عبر الحصار الذي طال الموانئ البحريّة والجويّة و عطّل وصول المساعدات إلى مستحقيها أو عبر الاستيلاء عليها من طرف الميليشيات المتصارعة ودفعت بالآلاف المؤلّفة إلى الهجرة القسريّة وترك منازلهم وأملاكهم عرضة للنهب إضافة إلى مقتل وجرح الآلاف من المدنيين خاصّة الأطفال جراء مضادات الطيران التي غالبا ما تسقط على الأحياء السكنيّة وكذلك نتيجة لقنابل الطيران السعودي الذي يقصف المنازل الآهلة بالسكان ومخيّمات النازحين وكذلك الغارات التي طالت مواقع عسكريّة ومخازن أسلحة قريبة من بعض الأحياء السكنيّة مع استخدام أسلحة محرّمة دوليا (قنابل عنقوديّة). 

كما ساهمت هذه الحرب الرجعية في تدمير التراث اليمني الفريد من نوعه عالميا والذي يرمز لهويّة الشعب وتاريخه عبر هدم عدّة مباني قديمة وصفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بأنّها من أقدم جواهر الحضارة العالمية وكذلك جزء من قلعة القاهرة التاريخية التي تقع في أعلى قمّة في جبل تعز و  الخراب الذي طال مدينة صنعاء القديمة التي تعتبر من الثروات النادرة لأنّها من أهمّ المواقع التاريخيّة والثقافيّة في اليمن والمأهولة منذ حوالي 2500 سنة، إضافة إلى تدمير سد مأرب الذي بني منذ القرن الثامن  .

لقد أغلقت بسبب هذه الحرب حوالي 3600 مؤسسة تعليمية أبوابها ممّا أجبر حوالي المليون وثمانمائة ألف تلميذ عن الانقطاع عن الدراسة والزجّ بالعديد منهم في هذا الاقتتال الطائفي. إذن فالحرب في اليمن لم تكن ولن تكون لصالح الشعب بل ضدّ مصالحه الآنيّة والمستقبليّة لأنّها  لا تهدف لتوحيد صفوفه وتحرير أرضه من الهيمنة الامبريالية وهي حرب بين أطراف رجعية مرتبطة بأنظمة رجعية  تسعى لمزيد السيطرة على جماهير الكادحين وتحويل وجهة نضالاتها المشروعة  إلى صراعات دينيّة وعشائرية لتشتيت صفوفها وإضعافها ما أمكن حتّى لا تتمكّن من مواجهة المؤامرات التي تحاك ضدّها الأمر الذي يطرح على الثوريين في اليمن  تحمّل مسؤولياتهم التاريخيّة والمضيّ قدما في قيادة هذه الجماهير وتخليصها من تأثيرات الأطراف المتصارعة التي تستعملها كحطب في معاركها . 

إنّ الوقوف إلى جانب طرف من أطراف النزاع الحالي لن يفيد الجماهير الكادحة في شيء بل سيؤدّي بالضرورة إلى تقويته و دعنه بما يمكنه من التفوق على خصمه وحال سيطرته على السلطة سيوجه سهامه مباشرة لهذه الجماهير التي ساندته وبالتالي فإنّ الموقف الصحيح هو الوقوف ضدّ  الحرب الرجعيّة عبر كشف أطرافها المتصارعة   وتوضيح أهدافها الحقيقية التي لا تخدم مصالح الشعب والسعي لمقاومة التدخل الأجنبي مع طرح مسألة تحرير الأرض من الهيمنة الاستعمارية  كمهمة إستراتيجية والتي تمرّ بالأساس عبر القضاء على الرجعيّة المحليّة .

إنّ قوى الدفاع الشعبي التي تأسست في العديد من القرى والمدن لحماية أهلها وممتلكاتها والتي لم تنخرط في الحرب إلى جانب أيّ طرف من الأطراف والتي ترفض رفضا تامّا هذا الصراع   تمثّل النواة الأولى لقيادة هذه الجماهير وتطوير وعيها ورصّ صفوفها من أجل تحرير أرضها  والقضاء على الحرب الرجعية وإلحاق الهزيمة بأعدائها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق