“المرجان الأحمر” في تونس
وتعتبر مدينة “طبرقة” ثاني أشهر مدينة في العالم في إنتاج وتصدير المرجان إلى جانب ولايتي “عنابة” و”القالة” الجزائريتين اللّتين تبعد سواحلهما عن السّواحل التّونسية حوالي 10 كيلومترات، وهي المناطق الوحيدة في البحر الأبيض المتوسّط التي مازالت بحارها غنية بالمرجان.
تطوّر الإنتاج خلال سنة 2014 بنسبة 92 بالمائة
سجّل الانتاج الوطني من “المرجان الاحمر” خلال سنة 2014 تطوّرا بنسبة 92 بالمائة ليمرّ من 4044 كلغ سنة 2013 الى نحو 7820 كلغ سنة 2014، وفق احصائيات للإدارة العامة للصيد البحري بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
ويعزى هذا التطوّر الى تضاعف عدد الخرجات البحرية من 733 خرجة سنة 2013 الى 1488 سنة 2014 وتتوزع الكميات المنتجة سنة 2014 حسب ذات المصدر الى 6607 كغ بميناء طبرقة ولاية جندوبة و1222 كلغ بولاية بنزرت حيث تمّ تصدير 7616 كلغ من المرجان بنحو 17 مليون دينار فى 2014 الى السوق الاوروبية وأساسا باتّجاه ايطاليا.
وقد نقلت جريدة الكترونيّة تونسيّة بتاريخ 27 جانفي 2014 عن مسؤول بوزارة الفلاحة، لم تذكر اسمه، تأكيده أنّ الكميات المعلن عنها رسميا لمعدل الإنتاج من هذه المادة خلال الخمس سنوات الأخيرة تتراوح بين 6 و10 أطنان سنويا ولم يتجاوز معدل الإنتاج الوطني لمادة المرجان قبل الخمس الأعوام معدّل 3 أطنان سنويّا.
وأضاف المسؤول أنّ معدل ما يتم استخراجه من قبل كل مركب صيد في كل خرجة بحرية يكون على متنها بالضّرورة أكثر من عدد “2 غطّاس” يتراوح بين 0.5 كلغ و3 كلغ من المرجان في أقصى الحالات. وباستفساره عن الكميّات الهامّة لـ “المرجان الأحمر” التي تعلن بعض الجهات عن استخراجها، أفاد أنه من “باب المستحيل” أن يتم وطنيا إنتاج تلك الكميات المقدرة بـ 190 طنا بالامكانيات المادية والبشرية المستغلة في هذا النشا، وهو ما تدحضه عديد المعطيات المصرّح بها وحوادث التهريب المرصودة .
تهريب نحو 180 طنّ سنويّا والحجوزات الديوانيّة ما زالت في حدود 1 بالمائة
تشير بعض المعطيات المتواترة إلى أنّ شبكات التهريب التي تتعامل مع مهرّبين من جنسيّات مختلفة، من بينها إيطاليّون، تنجح سنوياً في تهريب نحو 180 طناً من “المرجان الأحمر”، عبر الحدودية البحرية والجوية، حيث توجه هذه الكميات إلى مدينة “توري دال قريكو” جنوب إيطاليا المختصة في صناعة المرجان الطبيعي، ومن ثَمّ إلى بلدان أخرى على غرار الهند وباكستان والولايات المتحدة.
ومن أبرز حوادث التّهريب المعلنة بصفة رسميّة ، تلك التي كشف عنها الإعلام الجزائري حيث أعلن بتاريخ 16 ماي 2015 أنّ مصالح “الدّرك الوطني الجزائري” تمكّنت على مستوى “بلدية أم الطبول” الحدودية بـ”الطارف” من تفكيك شبكة دولية مختصّة في نهب وتهريب “المرجان الأحمر” من عرض السواحل المحلية تتكون من 3 أشخاص بينهم تونسي. وتم خلال العملية حجز 52 كلغ من المرجان الخام حديث الاستخراج، ومبالغ مالية معتبرة بالعملة الصعبة والوطنية، وسيارة تستعمل في تهريب “الذهب الأحمر”.
وأكدت المصادر الجزائريّة، أنّ التحريّات أفضت إلى اكتشاف معدات غطس متطوّرة ومختلفة بمنزل مهرّب مرجان تستعمل في نهب الشعاب المرجانية، وحجز 12 قارورة غطس و3 مولدات أوكسيجين و10 أزياء غطس وشباك وقوارب وأجهزة حديدية تستعمل في جر المرجان من الأعماق.
وأفادت المصادر ذاتها أنّ الإطاحة بهذه الشبكة تمّت على إثر تحريات دقيقة باشرتها المصالح المعنية بعد رصدها تحرّكات أشخاص مشبوهين يتردّدون على أحد الشواطئ الغابية بمنطقة “سقلاب” بأقصى الحدود الشّرقية مع تونس، وأثبتت معلومات استخباراتية وجود شبكة دولية مختصة في نهب وتهريب المرجان عن طريق الاستعانة بغطّاسين، ومن ثمّة تهريب كميات “الذّهب الأحمر” المستخرجة من عرض السّواحل المحلية إلى الخارج عبر المسالك الحدودية مع تونس.
من ناحيته كشف مصدر مسؤول في الجمارك التونسية، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لـصحيفة الكترونيّة عربيّة أن “مافيا المرجان اختارت تونس قاعدة خلفية ومعقلاً رئيسياً لممارسة نشاطها، حيث عادة ما يتم استغلال صيادي السمك في سواحل مدينة طبرقة في الشمال الغربي لاصطياد المرجان دون ترخيص وبطرق غير قانونيّة”.
وذكر المسؤول الدّيواني أنه “لا يوجد في مدينة طبرقة مراكب حاصلة بالأساس على تراخيص صيد المرجان، لافتاً إلى أن عدد المراكب المختصة والحاصلة على تراخيص استخراج المرجان في المناطق التونسية كافة لا يتجاوز ستة مراكب مضيفا بالقول إنّ: “بعض المراكب المرخّص لها تستغل البحارة وتشتري منهم المرجان بأسعار زهيدة، ليتم تصديرها بأسعار باهضة.
وأضاف مسؤول الجمارك أنّه على الرّغم من المجهودات التي تبذلها مصالح الجمارك، يبقى حجم المحجوزات محدوداً، مقارنة بالكميات التي تعبر البحار، حيث لا تتجاوز هذه الكميات وفق تقديرات غير رسمية الـ 1 بالمائة ، إذ أمسى المرجان من بين المواد، التي تستهوي المهرّبين المحليين باتجاه إيطاليا والولايات المتحدة والهند وباكستان وتركيا.
هذه الممارسات خلقت فعلا أوضاعا مزرية وجرّت إلى مراكمة الصّعوبات التي تواجه اليوم المصنّعين المرخّص لهم قانونيّا من صعوبات كبيرة في الحصول على المادة الخام، وهو ما أدى إلى غلق العديد من المتاجر المختصة في تصنيع “الذهب الأحمر”.
صعوبات جمّة ومطالبة بالتدخّل العاجل للدولة
شدّد رئيس الغرفة النقابية لتجارة المرجان ببنزرت صلاح الطرهوني خلال حضوره برنامجا إذاعيّا يوم الجمعة 3 أفريل 2015 على ضرورة تدخل الدولة العاجل من اجل حماية القطاع من الّتهميش والتصدي لظاهرة التهريب ، قائلا إن قطاعهم بصدد تصدير كميات هامة من المرجان سنويا تتراوح بين 10 و20 طنا.
ولفت “الطرهوني” الإنتباه الى أن “عددا من المهنيين في القطاع تعرضوا إلى تعسّف من قبل خلال عملهم، وأن عددا من الشركات تعيش تضييقا رغم أنها بصدد ممارسة نشاطها في إطار القانون، مضيفا بالقول: ” نعاني من أزمة التهريب بصفة كبيرة، ونتعرض إلى تعسف حقيقي ووقع الزج بنا في السجن وافتكاك سلع المصالح المختصّة رغم استظهارنا بالوثائق القانونية “.
ودعا المسؤول النقابي الحكومة التونسية الى ضرورة الاستثمار في هذا القطاع وانشاء مصانع للغرض معتبرا أنّ “الدولة التونسية لم تعترف بعد بالدور الاقتصادي، الذي يمكن أن تلعبه صناعة المرجان القادرة على تحقيق عائدات هامة من العملة الصعبة، حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 6 آلاف دينار”، وأكّد ضرورة “تطبيق القانون الخاصّ بصيد المرجان وإيجاد صيغ سلسة في التّعامل مع المحترفين الأجانب”.
“قانون” لا يطبّق
يذكر أن كل مخالف لمقتضيات صيد المرجان يتعرض وفقا للقانون عدد 89 لسنة 2005 المؤرخ في 3 اكتوبر 2005 إلى عقوبة بالسجن من 16 يوما الى سنة وخطية مالية من 100 دينار الى 500 دينار أو بإحدى العقوبتين، ويقرّ القانون بأنّ صيد المرجان يتمّ عن طريق “الغوص”، والذى يخضع بدوره الى رخصة تسلّمها وزارة الفلاحة علما وأنّ هذه الاخيرة أسندت خلال سنة 2014 حوالى 26 رخصة غوص لصيد المرجان.
ويشترط القانون التونسي عدم تجاوز صيد المرجان، يومياً، حمولة 2 كيلوغراميْن، وهو ما لا يتم تطبيقه، حيث يتم، وبشهادة بحارة طبرقة الذين صرحوا في تدخلاتهم التلفزيّة وعبر الصحافة المكتوبة والإلكترونيّة، استخراج قرابة الـ 30 كيلوغراماً يومياً، دون أدنى رقابة، وهي كميات هامة جداً ومن شأنها أن تساهم في اندثار المرجان من الأعماق التونسية، وفق مختصين، خصوصاً أن الدورة الزمنية لنمو هذا الحيوان البحري تمتد بين 20 و30 سنة ليصبح الجذع قابلاً للاستغلال.
ويشار، في هذا الصدد، إلى أنّ الجزائر التي تتوفّر بحارها على مخزون هام من المرجان منعت صيد المرجان منذ سنة 2005 الى غاية سنة 2015 قصد المحافظة عليه بعد أن كلّفت مجمعا فرنسيا بإعداد دراسة حول وضعية ونوعيّة وكميّة المرجان بالجزائر قبل اقتراح مخطّط لتسيير هذا المورد الذي صار في السّنوات محلّ نهب وتهريب.
علاوة على ما سبق من حيث أهميّة المرجان عموما، تضطلع المنظومات المرجانية بدور هام فى المحافظة على التنوع البيولوجى بالبحر الابيض المتوسط حيث تعد نحو 1666 نوعا من الاحياء من اهمها المرجان الاحمر الذى يتواجد خاصة فى الحوض الغربى للمتوسط وفى سواحل مدينة طبرقة.