الصّناديق الاجتماعية: عجز بـ 1100 مليار..الرّفع في السنّ القانونية للتّقاعد أبرز الحلول و”اتّحاد الشّغل” يرفض “إصلاحات على حساب الموظّفين”
الرّفع في سنّ التقاعد : “موضوع قديم جديد”
في الواقع، لا يُعدّ الحديث عن “الرّفع في سن التقاعد” من بين المُستجدّات في تونس، حيث اقترحت الدراسة التي أعدها مكتب العمل الدولي لإصلاح أنظمة التقاعد في تونس التمديد في سن التقاعد على مرحلتين إلى 62 سنة في المرحلة الأولى التي ينطلق تطبيقها بداية من 2011 و65 سنة ينطلق تطبيقها في 2016 منذ شهر سبتمبر 2010.
كما اقترحت الدراسة، أياما قبل اندلاع ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي، الزيادة في نسبة المساهمات المالية للأجراء والمؤجرين في القطاعين الخاص والعام وذلك على مرحلتين لتجاوز العجز المُتفاقم في الصناديق الإجتماعية التونسية، وهو ما سبب جدلا شبيها بالذي نعيشه اليوم وقتها.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية عمّار الينباعي، مؤخراً، إن مشروع رفع السّن القانونية للتّقاعد سيتم اعتماده في مستهلّ 2016 في حال تمت المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب، مضيفا في تصريحات أدلى بها لوكالة تونس افريقيا للأنباء (وات)، أن مشروع القانون المتعلق بنظام المعاشات المدنية والعسكرية والقطاع العام تضمّن بعض الإجراءات العاجلة المقترحة والمتمثلة في الرفع الاختياري في سن الإحالة على التقاعد بـ (5) سنوات.
ويذكر أن الوزير الينباعي قد أكد في وقت سابق أن عجز صناديق الضّمان الإجتماعي قد بلغ 1100 مليون دينار خلال سنة 2013 ،2014 و2015 مضيفا أنه في صورة عدم اجراء إصلاحات خاصّة منها تنفيذ الترفيع في سن التقاعد فإن ذلك من شأنه أن يرفع العجز الى 4.600 مليون دينار بين 2016 – 2020.
تفاصيل العجز في الصناديق الإجتماعية
يعتبر تفاقم العجز المالي الذي تمرّ به الصناديق الاجتماعية الثلاثة في تونس من الملفات الحارقة التي عجزت أمامها حكومات ما بعد 11 جانفي 2011 ومن أبرز التحديات التي سوف تواجهها الحكومة الحالية، فبحسب آخر الدراسات التي اهتمت بالملف، دخلت هذه الصناديق في مرحلة عجز هيكلي ناتج عن أسباب تنموية من أهمها تحسّن معدل الحياة وشيخوخة السكان وتهرّم الأنظمة وتأخر الاندماج في سوق الشغل الى غير ذلك من الأسباب.
وتشير دراسات أخرى إلى أن عجز الصناديق كان متوقعا منذ سنة 1985 لكن الحكومات المتتالية لم تواجه الصعوبات بجدية مما أدى الى انخرام الوضعية، ورغم بعض الإجراءات التي انطلقت سنة 1995 من خلال رفع نسب المساهمات وإعادة النظر في شروط التقاعد المبكر وإتاحة الترفيع في سنّ التقاعد لأسباب شخصية من 50 الى 55 بعد قضاء 30 سنة عمل، ظلّت هذه الاجراءات محدودة وتقتصر فقط على تضخيم موارد الصناديق لمدة قصيرة دون التوصل الى حلول جذرية تضمن ديمومة نظم الضمان الاجتماعي.
ومن بين أبرز الاصلاحات التي تتكرر بصفة آلية إلى حدّ الان تتمثل في الرفع في سنّ التقاعد والترفيع في نسبة المساهمات وهي مقترحات تتماشى مع رؤية المكتب الدولي للعمل حسب نتائج الدراسة التي أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تقترح الترفيع في سنّ التقاعد في مرحلة أولى الى 62 سنة والى 65 سنة في مرحلة ثانية، بما قد يساهم في تعزيز موارد هذه الصناديق لكنه سيخلّف خللا اجتماعيا يتعلق بتشغيل مئات الآلاف من الشباب أصحاب الشهائد العليا الذين ينتظرون توظيفهم.
وقد لعبت العديد من العوامل دورا هاما في التفكير في الرفع في سن التقاعد بتونس لعلّ أهمها العجز المالي لصناديق الدولة الذي تفاقم كثيرا خاصة “صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية” الذي وصل عجزه إلى حدود 400 مليون دينار خلال هذه السنة بعد أن بلغ 280 مليون دينار سنة 2013 وبانتظار أن يصل إلى 700 مليون دينار مع موفى سنة 2015 بالإضافة إلى انخفاض مداخيل الصندوق بسبب تراجع عدد الناشطين، و ارتفاع أمل الحياة إلى حدود 75 سنة مما اضطر الصّندوق إلى توفير منحة التقاعد إلى ما يفوق 15 سنة بعد نشاط المنخرط.
ووفق آخر الأرقام الرسمية، تعاني صناديق التقاعد مجتمعة من عجز كبير بلغ 1.1 مليار دينار خلال 2013 – 2014، والمُرشّح لبلوغ 2 مليار دينار خلال الخمس سنوات القادمة إذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة وجذرية، كما تأمل الوزارة أن يتم التخفيف في هذا العجز المُتوقّع خلال الثلاث سنوات المُقبلة بنسبة 50 بالمائة، إذا تم تبني مقترحها في ترفيع سن التقاعد.
600 مليار قيمة العجز المتوقعة في 2016 في نظام التقاعد بـ”CNSS“
في حوار صحفي أجري معه مؤخّرا، دقّ الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رشيد الباروني ناقوس الخطر مؤكدا أن الوضعية المالية لصندوق الضمان الاجتماعي أصبحت حرجة ولا بدّ من ايجاد حلول عاجلة خاصة وأن منظومة المساهمة الحالية التي تعتمد الانظمة التوزيعية والمستندة إلى مساهمات الاجراء والمؤجرين أثبتت محدوديتها .
وقال رشيد الباروني أن الوضعية المالية الحرجة التي يمر بها صندوق الضمان الاجتماعي اليوم كانت منتظرة منذ سنة 2000 لأنّها انطلقت منذ ذلك الوقت وتفاقمت سنة بعد أخرى في ظل عدم التفكير الى حد هذه الساعة في اصلاح جذري لأنظمة الضمان الاجتماعي.
وبين الباروني أن عجز الصّندوق بلغ 222 مليار سنة 2014 في حين بلغ عجز نظام التقاعد الذي يغطي 600 ألف متقاعد 500 مليون دينار سنة 2014 ومن المتوقع أن يبلغ السنة القادمة عتبة 600 مليون دينار مع الاشارة الى أن عدد المنخرطين في الصندوق بلغ سنة 2014 حوالي 3 ملايين منخرط.
وقال الباروني في سياق ذاته ان احتياطي الصندوق تم استهلاكه بالكامل خلال فترة الـ 50 سنة الفارطة مشيرا الى أن السيولة المتوفرة اليوم لا تكفي لتسديد التقاعد ومصاريف التصرف، مضيفا أن الصندوق سيقع في الثلاثي الاول من سنة 2016 في عجز لسدّ جرايات التقاعد وسينتظر استخلاص الاموال لتمكين المتقاعدين من جراياتهم.
وكشف الباروني أن الديون المتخلدة بذمة حرفائه تبلغ قيمتها 4000 مليون دينار ولو وجدت لما كان هناك عجز مشيرا انه لا يمكن استخلاص هذه الديون بسهولة لان المؤسسات تعاني من أزمة اقتصادية وكل من تتم مطالبته بدفع ديونه يهدد بغلق المؤسسة وتسريح العمّال.Haut du formulaire
اتّحاد الشغل : الحكومة قادرة على إنقاذ “الصناديق” دون اللجوء لرفع سنّ التقاعد و”لا إصلاحات” تكون على حساب الموظفين
يرى “الإتّحاد العامّ التّونسي للشغل” أنّ الحكومة قادرة على دعم الصلابة المالية للصناديق الاجتماعية دون اللجوء إلى رفع سن التقاعد وذلك بالبحث عن مصادر جديدة للتمويل بالإضافة إلى مساهمات الأجراء، معرباً عن رفضه لمقترح رفع سن التقاعد بـ5 سنوات إضافية.
وفي هذا السياق، أكد المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية بالاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الكريم جاد، في تصريح لمجلّة الكترونيّة عربيّة، نشر في 2 سبتمبر 2015 أنّ الصندوق الوطني للتقاعد بالقطاع العمومي تآكل مخزونه ويجد صعوبة في صرف المعاشات، وأنّ منظمة الشغالين كانت قد نبهت إلى خطورة وضع صناديق الحيطة الاجتماعية منذ سنة 2005 ودعت الدولة إلى ضرورة تحمّل مسؤوليتها والبحث عن موارد تمويل لفرض استمرارية هذه الصناديق وسنّ خارطة صحيّة عادلة للحفاظ على توازنات الصناديق المالية وتحسين التصرّف الإداري فيها في إطار الحوكمة الرشيدة، وذلك عبر التناصف في التسيير وضرورة التّناوب على ترؤس المؤسسات بين أطراف الإنتاج الثلاثة (الدولة وصاحب العمل والأجير).
وقال المسؤول بـ”اتّحاد الشغل” إن المنظمة النقابيّة تفاجأت بالتسرّع في الإعلان عن مشروع القانون المتعلّق برفع سنّ التقاعد وإحالته إلى البرلمان دون استكمال المشاورات مع منظمتي الشغالين و رجال الأعمال.
وقد أعرب “اتحاد الشّغل” عن رفضه لأن يكون إصلاح “الصّناديق الاجتماعية” على حساب الموظفين، مقترحا زيادة الضرائب والادعاءات على بيع وشراء السجائر والمشروبات الكحولية، على غرار ما هو معمول به في العديد من البلدان النّامية، كما يطالب “الإتّحاد” بجرد ممتلكات الصّناديق من أجل توضيح الرؤية، قبل التطرق إلى الحلول خاصة في ظل الشكوك التي تحوم حول غياب الحوكمة والشفافية حول طريقة إدارة هذه الممتلكات.
تداعيات “الترفيع في سنّ التقاعد” في حال المصادقة عليه نهائيّا
بالرّجوع إلى تركيبة مجلس نواب الشعب ، والتوافق المُسجّل بين أكبر كتلتين، كتلة نداء تونس وكتلة حركة النهضة، لن يُواجه هذا القانون صعوبة تُذكر لتمريره واعتماده، لكن رغم انعكاساته الإيجابية على الصناديق موضوع الجدل، ستكون له انعكاسات سلبية خاصة على شريحة الشباب المُعطّل عن العمل من أصحاب الشّهائد العُليا، الذي ينتظر من الدّولة توظيفه، وهي التي تُعاني من فائض في عدد المُوظّفين مُقارنة بحاجياتها.
فوفق إحصائيات أوردها المعهد التونسي للإحصاء، بلغت نسبة البطالة في البلاد 15 بالمائة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2015، ويقدّر عدد العاطلين عن العمل بـ 601.4 ألف شخص إلى موفّى مارس 2015 ، من بينهم 222.9 ألفا من حاملي شهادات التعليم الجامعي وتقدر بذلك البطالة لدى هاته الشريحة بنسبة 30 بالمائة، وحين ينضاف لهؤلاء ما يُقارب 80 ألف مُتخرج سنويا من الجامعة التونسية، مع الإجراء المُنتظر اتّخاذه بتمديد سنوات الشّغل للموظفين الحاليين، لا يصعُب توقّع ارتفاع نسب البطالة لدى فئة الشباب وهو ما من شأنه أن يُعرّض البلاد لهزات اجتماعية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنّه بعد مفاوضات بين الطرف الحكومي ممثلا في وزارة الشؤون الإجتماعيّة والطرف النقابي ممثلا في الإتحاد العامّ التّونسي للشغل خلص الجانبان إلى إجراء بعض التعديلات على مشروع القانون، هذه التعديلات لم ترض عددا من أعضاء مجلس نواب الشّعب الذين اعتبروا أنّ إنقاذ الصناديق الإجتماعيّة من الإفلاس يتطلّب الترفيع الإجباري في سنّ التقاعد لا الإختياري، وهو ما سيؤثّر بطبيعة الحال على التصويت ضدّ التعديلات التي دفعت إليها المنظمة الشغيلة، والذي من شأنه أن يرفع درجة الإحتقان ويعيد المسائل إلى المربّع الأوّل.