إنتاج عسل النّحل في تونس: قطاع مربح تكتنفه إشكاليّات طبيعيّة ولوجستيّة
وتشير المعطيات إلى أنّ الصّادرات التّونسيّة من العسل تعادل 52.500 دولارا، ومع ذلك تستورد البلاد ما قيمته 1.1 مليون دولار من العسل من الصّين وإسبانيا، في حين أنّ المتوسط الوطني السّنوي لإنتاج النّحل يبلغ 8 كيلوغرامات للخلية الواحدة، مقارنة بنظيره الأوروبي الذي يبلغ 30 كيلوغراما للخليّة.
الكاف : تربية النّحل .. مشروع مربح ينتظر مزيد الدّعم
شهد قطاع تربية النحل بولاية الكـاف تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة باعتبار وجود غطاء نباتي تقدر نسبته بـ 25 بالمائة من جملة المساحة الجمليّة للولاية، ورغم الامكانيات الطبيعية الهامة التي تساعد على الاستثمار في هذا القطاع.
ورغم أن هذا القطاع يحظى بدعم من الدولة إلاّ أن بعض المربين يتذمرون من الأمراض الجرثومية والفطرية والفيروسية التي تؤدي الى اضعاف خلايا النحل وأحيانا الى هلاكه وبالتالي تقلص من انتاج محصول العسل أو انعدامه وضياع جهد المربي والحاق خسارة مادية كبيرة خصوصا في فصل الشتاء مما يحتم على المربي مزيد الرعاية الصحية وذلك بعزل الخلايا المصابة بالأمراض والحجز عليها واستبدال ملكات الخلايا المريضة بأخرى سليمة وقوية.
ونظرا لما يدرّه قطاع “العسل البيولوجي” من مداخيل وما يوفّره من موارد رزق خاصّة للعاطلين من الشباب أولى “ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى بالدّهماني” اهتماما كبيرا بقطاع تربية النحل بالتعاون مع المصالح الأخرى لتحسين وتثمين جودة الانتاج، وفي هذا الاطار تم بعث عدة مشاريع نموذجية لتربية النحل على النمط البيولوجي في المناطق المؤهلة باعتبار أن تربية النحل تتطلب معرفة وتنظيما واتقانا في العمل الذي لا يقتصر على أهميته في انتاج العسل والشمع وحبوب اللقاح وسم النحل فقط بل يتعدى الى معرفة هذه الحشرات التي تلعب دورا هاما في اخصاب النباتات ليصبح عاملا من عوامل الانتاج كالماء والسماد والأدوية ويجب على الفلاح توفيره في المزارع والمحافظة عليه.
وللعلم فإنّ هذا القطاع يتضرّر سنويّا جرّاء تهاطل الثلوج وشدة البرودة التي تعرفها الجهة خاصّة في الأطراف الحدوديّة للولاية المتاخمة للجزائر خلال فصل الشتاء لا سيما منها المناحل التقليدية، وتكشف المؤشرات الفنيّة المسجلة في سنتي 2014 و2015 أنّ عدد طرود النحل المنتجة سواء عن طريق التفريخ الطبيعي أو الاصطناعي تصل إلى حدود 25000 ألف طرد مما ساعد مربي النّحل على استرجاع النّقص الحاصل للخلايا خلال السنوات الفارطة، حيث بلغ عدد الخلايا العصرية 4100 وعدد المربين 285 على مستوى كامل معتمديّات الكاف.
ضعف الإنتاج في “جندوبة” مقارنة بالامكانيات الطّبيعية الوافرة
يتّسم انتاج العسل بجندوبة بـ “الضّعف” رغم وفرة الامكانيات الطّبيعية، حيث تحتكم الولاية على ما يقارب 15 الف خلية نحل (4 آلاف تقليدية و11 الف عصرية) موزّعة على حوالي 2100 منتج، وقد قدّر المعدّل السّنوي لكميّات انتاج الجهة من العسل في الـ 5 سنوات الأخيرة (من 2010 – 2015)، ويبقى حجم الانتاج على أهميّته ضعيفا مقارنة بالإمكانيات التي تزخر بها الجهة المتميزة بغطائها الغابي الممتد على 120 ألف هكتار والذي يوفّر موارد رعوية ذات خصوصية بيولوجية بالإضافة الى ما يوفره ديوان تربية الماشية من تأطير واحاطة فنية وتدخلات.
ويرجع عديد المربّين هذا النّقص الى غياب المراقبة وعدم التّحكم في تنظيم عملية الترحيل (نقل الخلية الى مكان اخر خاصة مع تغير الفصول) فضلا عن صعوبة الاحاطة بأغلب صغار المربّين الذين يمثلون الشريحة الكبرى وعدم المامهم بمؤشرات الجودة الى جانب النقص في الهياكل الفنية المختصة والهياكل المهنية وعدم استغلال وتثمين نتائج البحوث التنموية المنجزة، وقد أعدت الجهات المختصة استراتيجية جهوية للنهوض بالقطاع تهدف الى الترفيع في عدد الخلايا العصرية من 11 ألف حاليا الى 13.500 ألف سنة 2016 والتقليص من الخلايا التقليدية من 4 آلاف حاليا إلى حدود 2 ألفين مع تطوير الانتاج من 117 طن سنة 2011 الى 141 طنا سنة 2015.
وقد تم في اطار هذا التوجه ابرام 3 اتفاقيات لتحويل مناحل عادية الى مناحل بيولوجية تستهدف في مرحلة أولى 200 خلية على أن يرتفع هذا العدد الى 7 آلاف خلية في غضون سنة 2016 مع اعادة الثّقة بين المنتج والمستهلك بخصوص جودة المنتوج وتطبيق المواصفات التونسية.
القيروان: صعوبات تواجه القطاع بالوسلاتية
تعرف مدينة الوسلاتية بانتاج العسل وغالبا ما ينتقل متعاطو هذا النّشاط بين الولايات بحثا عن طعام للنحل، فتجدهم في الصيف في المناطق المتواجد فيها أشجار “الكلاتوس” فيتّجهون نحو زعفرانة والخضراء بوحجلة فمربو النحل هم رحالة وعادة ما يكونون في الشتاء في الوطن القبلي حيث يوجد أزهار أشجار البرتقال والزّهر كما يرتحلون في آخر الصيف أيضا إلى جهة قفصة وفي الربيع تكون عطلة بالنسبة للنّحالة حيث يمكثون في مقرّ سكناهم أين يوجد الزعتر والإكليل بجبال الوسلاتية.
ومن الصّعوبات التي تعيق المرعى هي ارتفاع كلفة التّنقل واستغلال النباتات الغابية في التقطير أما مداواة الأعشاب الطفيلية فقد تسببت في إتلاف الأزهار الطبيعية ويبقى الملاذ الوحيد هو أزهار القوارص بالوطن القبلي واللّوز بالمهدية هذا يؤدي إلى إلحاق خسارة مادية كبيرة خصوصا في الشتاء مما يحتم على المربي مزيد الرعاية الصحية وذلك بعزل الخلايا المصابة بالأمراض والحجز عليها واستبدال ملكات الخلايا المريضة بأخرى سليمة وقوية.
كما أن القطاع غالبا ما يتضرر جراء تهاطل الثلوج وشدة البرودة، اضافة الى نقص مراكز التوزيع حيث يجد النحالة صعوبة في بيع منتوجهم هذا الى جانب نقص الارشاد والتوجيه من طرف المصالح المختصة ولهذا تجد النحّالة لديهم خبرة تعلموها أب عن جد إلا ان المهنة تطورت ولم تعد مثل السابق تقليدية، وربما الامر يتطلب تطوير هذا المنتوج أكثر.
مشروع بتمويل دنماركي لتشغيل 400 شابّ بـ”ولاية باجة”
تم خلال ورشة عمل انتظمت في سبتمبر 2015 حول مشروع “العمل اللاّئق للشباب فى تونس”، والذى أقرّته “منظمة العمل الدولية” والمموّل من طرف “وكالة التّعاون الدنماركي” فى اطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني اختيار تنفيذ مشروع لتربية النحل بكلفة 500 ألف دينار من شأنه تشغيل 400 شاب فى غضون سنة فى 5 معتمديات تعتبر حوض انتاج العسل بولاية باجة وهى “نفزة” و”تيبار” و”تبرسق” و”تستور” و”عمدون”.
وتم اختيار تنفيذ هذا المشروع من ضمن 5 مشاريع اقترحها مستشار مكتب منظمة العمل العمل الدولية، الخبير “حسام بالحاج” وهى تربية النحل ودجاج الضيعة والسمان والصيد الساحلي والصيد فى المياه الحلوة وذلك بعد تحليل سلاسل القيمة الخاصة بكل مشروع وامكانيات سرعة تنفيذها في الآجال وسهولة ترويج انتاجها واختيار مناطق تدخل من ضمن 9 معتمديات مقترحة وقدرة المشاريع التّشغيلية في ظرف سنة فقط.
وجدير بالإشارة أنّ هذا المشروع يهدف أساسا الى اختيار منظومة لترسيخ تقاليد اقتصاد تضامني ويعتمد على فكرة خصوصيّة الجهة ويمتدّ تنفيذه على سنتي 2015 و2016 بولايات باجة وجندوبة وسليانة بكلفة جملية تقارب الـ 3 ملايين دينار، كما يذكر أنّ ولاية باجة قد أنتجت 102 طن من العسل سنة 2013.
أسباب تراجع انتاج العسل؟؟
تشكّل ظاهرة “الإختفاء الغامض للنحل العاسل” أبرز مشكلة تواجه جلّ مربيي النحل في تونس منذ ما يزيد عن 5 سنوات، ظاهرة خلّفت إتلاف أعداد كثيرة من خلايا النحل، وقد أشار المربّون إلى أنّه خلال السنوات الأخيرة طرأت على خلايا النحل التي يملكونها “تطورات غريبة” لم يعهدوها من قبل، وتتمثّل في أن أعدادا هامة من الخلايا أصبحت تتلف من سنة الى أخرى وبتدرج حاد ممّا تسبّب في تراجع حادّ لكميات العسل التي بلغت أدنى مستوياتها لا سيما في الأعوام التي تلت الثّورة.
وتبقى أسباب هذه الظاهرة غامضة وغير مفهومة، ذلك أن عدد “الشّغالات” (النّحلة العاملة) يبدأ بالتناقص تدريجيا وبنسق تصاعدي وسريع ينتهي بضعف ملفت للخلية ثم إتلافها نهائيا وهو ما تؤكده البيانات الصّادرة عن ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى حيث أظهرت المعطيات تراجع الإنتاج السنوي للعسل بنسب عالية رغم تطور أساليب العناية بخلايا النحل وقد بلغ هذا التراجع ذروته خلال سنتي 2010 و 2011، حيث لم يتعد معدل الإنتاج السنوي3 كلغ للخلية الواحدة حسب تصريح بعض المربين. (مقابل معدل سنوي ب 10 كلغ للخلية الواحدة على المستوى الوطني حسب وثيقة أصدرها ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى لسنة 2009 والمتعلقة بمؤشرات القطاع).
وفي غياب تفسير علمي دقيق وقطعي لعوامل انهيار خلايا النحل التي تفقد أفرادها دون رجعة ودون وجود نحل ميّت بالخلية أو محيطها، يقدّر الباحثون أن الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة تعود الى نقص مصادر غذاء النحل، والذي مرده أساسا تقلص مساحات النباتات المزهرة الأساسية التي يعتمدها النحل لغذائه نتيجة تدهور الغطاء النباتي والنقص الكبير في تنوعه.
ويفسّر المختصّون في المجال انتشار الظاهرة بالإستعمال المكثف والعشوائي وبنسق تصاعدي للمبيدات الحشرية الفتاكة في النشاط الفلاحي وفي الوسط الحضري، وكذلك استخدام بذور معالجة ببعض المبيدات الحشرية التي يمتصها نظام النّبات بأكمله أثناء مراحل النمو وتمتصها النحلة في الرحيق أو غبار الطلع، إلى جانب التّأكيد على أنّ تلوّث الهواء قد يتداخل مع قدرة النّحل على العثور على النّباتات المُزهرة وبالتالي الغذاء، اضافة إلى أن انتشار خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي وشبكات الإتصالات الحديثة على نطاق واسع وما تنتجه من حقول “كهرو- مغناطيسية” وترددات من شأنها أن تؤثر سلبا على الجهاز العصبي للنحل وقدرته على ضبط المواقع ومسار تحركاته ويعيقه بالتالي على الرجوع إلى الخليّة الأم.
كما يرجع أهل الإختصاص أسباب تراجع إنتاج العسل إلى تكاثر الطفيليات والآفات مثل قراد النحل (varroa) وعدم توفر الأدوية المضادة له بأسعار مناسبة، بالنظر إلى أن أغلب المربين يقومون باستعمال مبيدات فلاحية لها أضرار مباشرة وقوية على خلايا النحل الى جانب زراعة البذور المحورة جينيا في بعض الحقول التي من شأنها أن تضعف جهاز المناعة لدى النّحل الذي يرعى أزهارها.
تكثيف التعاون التّونسي المتوسّطي
في إطار تكثيف التعاون تعزيزا للإنتاجيّة صلب قطاع انتاج عسل النّحل وانفتاحه أكثر على محيطه الإقليمي والدولي التقى رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار يوم الإثنين، 30 نوفمبر 2015، بمقر المنظمة الفلاحية مع وفد من الجامعة المتوسطية لمربي النحل يتقدمه رئيس الجامعة “بيين شانترو بانيتياري” ونائب “الرئيس “ماسيمو كاربينتاري”.
وتم خلال اللقاء التّرحيب بانخراط الجامعة الوطنية لمربي النحل التابعة الى الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري رسميا في الجامعة المتوسطية لمربي النحل وما سيفتحه ذلك من آفاق رحبة لدفع علاقات التعاون بين الجانبين في قطاع تربية النحل وما يمكن أن يتيحه من إمكانيات هامة لتبادل الخبرات والإستفادة من تجارب البلدان المتوسطية في مجالي التكوين والبحث العلمي .
كما تم التأكيد على ضرورة إرساء برنامج عمل مشترك لحماية العسل المتوسطي من شتّى أنواع العسل الموردة ووضع علامة جودة خاصة بعسل البرتقال المتوسطي ورسم خريطة للعسل المتوسطي، علما وأنّ الجامعة المتوسطية لمربي النّحل تضم في عضويتها عدة بلدان متوسطية، وهي تعمل على النّهوض بقطاع تربية النحل والدفاع عن مصالح الجامعات الوطنية المنخرطة فيها وعن مشاغل وحقوق النّحالين في دول حوض المتوسط، كما ترتبط الجامعة باتفاقية مع مؤسسات تمويل تابعة إلى الاتحاد الأوروبي وذلك في نطاق برنامج للتعاون في قطاع تربية النحل.
ويشار إلى أنّ المختصّ التّونسي في علوم التغذية، الدّكتور الطّاهر الغربي، أكّد خلال محاضرة ألقاها يوم 19 ماي 2012 بمنتزه بئر بلحسن بأريانة، أنّ النّحلة التونسية المحلية موجودة ببلادنا منذ العهد القرطاجي لكن أنواعا أخرى منها تم جلبها من بلدان أوروبية وأمريكية لتخصيب عمليات التلقيح للنّباتات، لافتا إلى وجود 1200 نوع من النّحل في تونس مقابل 20 ألف نوع منتشر في العالم.