الفصل الرابع من رواية دخان فوق الماء
– يواش يواش إيناس ، هذا الكلام وين ينصرف ..؟ بعدك بأول العمر وألف من يتمناك ، مو بايره ..!
قالت إيناس : أمنت بالله ، ماذا يطلع بالفنجان …؟
ردت كريمة : بصراحة شيء مو زين ..! ، أنتي يا إيناس مندفعة في طريق مسدود ، أشوف بالفنجان ضبع واقف فوق تل عالي ايتابعك ويضحك ..
قالت إيناس بلهفة : هذا هو ..
وسألت كريمة : رجل …؟
قالت إيناس : نعم …
قالت كريمة : لا أدري من أين أبدا معك ..؟
قالت إيناس بحماسة كبيرة : أحكي الموجود في عالم الغيب ، أنا لا أزعل ..
ردت كريمة وعيناها مثبتتان على الفنجان : للأسف هذا الشخص الضبع مو صادق وياك ، ضحك عليك ، أنتي في ورطة ..
ردت إيناس في إقرار بضعف عميق : أيه احكي فدوه لعيونك …
قالت كريمة : اغلقتي كل الأبواب أمام النصيحة ، من يكون خالد هذا …؟
لاذت إيناس بالصمت وعندما رأت كريمة تنتظر منها الجواب الحاسم قالت : هذا أسمه خالد ..
ردت كريمة بسرعة : أعرف ولكن من يكون …؟
ردت إيناس : الشخص الذي يلوح لك في الفنجان .. هو .. ” ثم صمتت ”
قالت كريمة : تكلمي .. هل هو زوجك …؟
قالت إيناس : انا لم أتزوج بعد .. قالت كريمة : هل هو خطيبك …؟
ردت إيناس : لا هذا ولا ذاك ..
قالت كريمة من جديد : إذن هو عشيقك ..
ردت إيناس موافقة بهزة من رأسها ، صمتت كريمة لحظة ثم قالت بكل وضوح :
– هذا الضبع ايضا بصورة ثعلب وهو كذاب ، يضحك عليك ، أي عشق يا إيناس ، كيف وافقت أن ” ثم صمتت ”
قالت إيناس : ضعفت يا أم حسن ، والله أنا مجروحة ومقهورة ونادمة ، ما فعله معي ظلم حتى رب السماء لا يوافق عليه ، بسلطته والكلام المعسول والوعود ، تصوري أقسم لي أنه سينفذ الزواج …
ردت كريمة : لا أرى أي شيء من هذا ، يا إيناس أرى حريقا قد يتحول إلى مصيبة تلحق بك وبعائلتك الضرر ، نحن في غبائنا نصنع الدمار الكبير ، ولكن قولي لي كيف حدث ذلك ..؟
ردت إيناس : ذات ليلة كنت أحضر حفلة للمطرب ” سعد جبوري ” وتعرفت عليه ، في بداية تعارفنا كنت أرى فيه فتى أحلامي ، كل يوم يمرّ عشقي له يزداد ، تعددت اللقاءات وصارت بيننا خلوات كثيرة ، في تلك الأيام منحته كل ما أراد ، تحول عشقي له إلى حب عميق ، لم أكن أرى أمامي غيره ولم أكن أفكر بالزواج إلا من خالد ، تقدم العديد من الشبان وكنت أرفض …
ردت كريمة حاسمة في القول :
– خالد لن يتزوجك ، هو الآن مرتبط بفتاة أخرى ..
قالت إيناس : هذا صحيح ، سقطت دمعة من عينها ، ثم اضافت كريمة من جديد : السؤال ماذا ستفعلين …؟
غضبت إيناس وثارت ثائرتها وردت كالمجنونة : لن أتركه ، سأقتله …
قالت كريمة بسخرية غير واضحة : وماذا بعد القتل …؟ ربما يكون هو الأسرع ويفتك بك ، هذا ليس الحل المطلوب ، يجب ان تفكري كيف يعود إلى جادة الصواب ويتزوجك ..
قالت إيناس بعد لحظة صمت : أنت ماهرة في قراءة الفنجان ، ولكن ماذا تقترحين …؟
ردت كريمة : لايوجد سوى حلّ واحد لمشكلتك ..
استفهمت إيناس بلهفة وكادت كريمة ان تقول كلمتها التي تنتظرها إيناس في تلك اللحظة اندفع الى عمق المكان ” حميد ” وتوتر الجوّ ، ظهر الشحوب على وجه كريمة وارتعدت ، هو شاب تجاوز العقد الثالث من العمر ورغم ارتدائه الملابس المعاصرة فهو في تلك الإندفاعة يبدو متهورا متناقضا وقام بسلوك ريفي ، نظرت إليه كريمة باستهجان وبشكل لا يخلو من العداء ، نهضت من مكانها واقفة وفي غاية التحفز والتوتر ، إيناس تراقب وقد تيقنت ان الاشتباك بينهما سيقع لا محالة ، هي لا تعرف التفاصيل ومن يكون هذا القادم وما علاقته بكريمة …
قال حميد : لم أعد أحتمل ياكريمة ، ولابد أن أراك ..
ردت كريمة : وماذا تريد ..؟
أجاب حميد : أقول شيئا أحسه يقتلني ، مرة واحدة أمنحيني الفرصة كي أشرح لك موقفي ، أنت حبيبتي …
ردت كريمة بصوت عال فيه من الصلف والمواجهة الكثير ، قالت :
– أسمع ياحميد ، هذا مكان عملي ورزق عائلتي ، قصة الحب أنتهت من زمان ، أنا تركتك وتزوجت ومرت على ذلك عدة سنوات ، استح على نفسك ، أنا الآن على ذمة رجل آخر ، لا اسمح لنفسي أن أكون مبتذلة وأجعل أهلي وزوجي وأولادي في موقع العار لسواد عيون شخص رقيع مثلك ، أخرج من هنا وبدون مشاكل ..
كانت إيناس مذهولة تتابع ما يجري أمامها ، بينما صار حميد كتلة من الفشل وركبته الخيبة ، هو يبحث عن مخرج من هذه المواجهة القاسية ، كريمة لاتتغير وقد اختارت موقفها القوي والصحيح ، كان حميد مثل ” الجريذي ” يبحث عن ” زاغور ” يدفن نفسه فيه ، في تلك اللحظة هزّ المكان إنفجار هائل وصارت ساحة كهرمانة القريبة من صالون التجميل تغطيها سحابة من الدخان والنيران وضربت شظايا الإنفجار كل مكان تحطمت واجهات المحلات وزجاج نوافذ البنايات وأصوات الإستغاثة تتداخل مع لغط كثير غير مفهوم …!يتبع