الفصل الخامس من رواية دخان فوق الماء
صالون ” كهرمانة ”للحلاقة مزدحم والكثير من النسوة ينتظرن دورهن في قص الشعر أو تجميل مناطق من الوجه ، وعيد الأضحى على الأبواب ، كانت كريمة تعمل وبصحبتها شريكتها الماهرة ” أميرة ” وأثناء العمل يدور بينهما الحوار الذي لايخلو من دعابة أو الوصول الى حالة انتصار على التعب والضجر ، قالت أميرة وهي منهمكة في ترتيب شعر إحدى النساء بعد ان نظرت في المرآة الكبيرة نحو كريمة التي هي الأخرى منهمكة في ترتيب شعر إحدى النساء :
– لماذا تجهم وجهك ، هل سبينا العنب ..؟ الناس ايقولون من صار الإنفجار نقلوه للمستشفى ، جرح في يده ، الأصول تذهبي للمستشفى لزيارته وتأخذي له باقة ورد ..
ردت كريمة : من قال هو مجروح ..؟
أجابت أميرة :
-البارحة قابلت أخته ، هي قالت لي ..
ردت كريمة بشيء من التشفي :
– مثل ماء دجلة الخابط هذا حميد أبدا هو لايصفى ، يعرف بشكل واضح بيني وبينه أنتهى الفلم لكنه مصر يبحث عن لقطات محذوفة
ضحكت أميرة من الأعماق وقالت :
– أهل مكة أدرى بشعابها ..
أضافت كريمة وهي تعمل :
– ما يفعله معي شيء من الخطأ ، وإذا استمر يؤثر على سمعتي ، هو يتعمد إثارت الشبهات حتى يدفع زوجي للطلاق ، والله إذا عرفوا أخوتي سيقطعوه أربا ، إذا لم يتوقف عند حده ويصير آدمي ، يشهد عليّ محمد وعلي والحسين ما سأفعله معه لم تفعله امرأة من قبلي ..
ضحكت أميرة وقالت :
– هل تعلمين حميد واحد ماخوذ خيره وطمعان بيك ..
ردت كريمة وهي تضرب على فخذها بشيء من الغضب :
– أعوذ بالله من شرّ الشيطان الرجيم ، يأميرة اغلقي هذه القصة البايخة وخلينا انشوف دربنا الزبائن في إزدياد ..
” كريمة ذات طبيعة هادئة غير مندفعة تطبخ أفكارها على نار هادئة ، وتقلب أمورها على أكثر من احتمال وهي تنظر الى تلك العلاقة التي كانت بينها وبين حميد بأنها ميتة ومن المعيب ان تتواصل ، هذه المرأة المعروف عن دقة تفكيرها وأرائها السديدة وعدم وقوعها في الفوضى كانت تحب حميد فعلا وتريد الزواج منه لكنها ألغت تلك الفكرة عندما علمت ان حميد قد خانها مع صديقتها ولهذا طردته من حياتها وقبلت ان تتزوج رجلا يكبرها بعقدين من السنوات غير وسيم وثقافته محدوده ويعيش على الكفاف ، اقتنعت بقسمتها وكانت تصد نزوات حميد الذي باعها في وقت كانت تريد ان تكون له ، وهي دائما تقول الخير فيما اختاره الله ، وكم من مرة حاول حميد أغوائها لكنها ترفض الاستسلام له ، هي مزيج من تكوين عشائري ديني طبقي ولها شيء من الثقافة السياسية البسيطة المرتبطة بالفترة التي سادت الاحتلال ، في هذه الأيام أزداد عليها الضغط واصبحت متغيرة كثيرا ، على وجهها المدور البيضوي ارتسمت الكآبة ، وهي تدرك ان الفكرة التي طالما جاهرت بها أمام زبائنها من النساء صارت ميتة لم تعد متمسكة بها ، الآن تطلق حسرة طويلة وهي تنظر إلى زميلتها أميرة التي تقول لها وهي تواصل ترتيب شعر إحدى النساء ، في كلماتها تشرق الدعابة والإشارة الواضحة إلى تفاصيل تعرفها بدقة عن علاقة كريمة مع حميد ، ضحكت أميرة بصوت مجلجل وتوقف صوت جهاز مصفف الشعر الذي تحمله في يدها ، نظرت إلى كريمة وقالت :
– الست من كان يقول ، لا يصبر على جنون المرأة وجفائها سوى رجل أحبها وتاه مع الجنون وإذا سقطت من بين أضلاعه لم تكن متمسكة وغير حاسمة لأمرها فتتوارى وتدخل مجرة النسيان ، أيضا قلت ، لم أهمل أحدا في حياتي ومن سقط مني لم يكن متمسكا بيّ جيدا ..
ردت كريمة :
– هذا لاينطبق على حميد ، أنا اكرهه ” مو اشلون ماكان ، والله نوبات أفكر لو أقدر أمسحه من الوجود ، هذا حميد ما عنده احساس ، ارعن فد نوب ”
ضحكت أميرة وقالت :
– هذا أعمى ” ما ايشوف هساع ماكو بس كريمة بهذا الكون ، النسوان تارسه البلد ”..
ردت كريمة : والله كلامك من ذهب يا أميرة ” ياريت تحكين لي ويه هذا الطرطور ، أتزوجت وصار عندي أثنين أطفال وبعده لاحقني بعربانه امكسرة ، أشلون حظ امصخم ”
ردت أميرة مشاكسه :
– والله عنده حق ، كريمة حلوه وخفيفة دم والابتسامة ما تغيب عن الوجه الحلو وصوت ناعم وجسم ايخبل ..“ مو حقه يتخبل عليك ”
ردت كريمة حازمة :
– أكرميني بسكوتك أميره ..
لكن أميرة لم تتوقف فقالت من جديد :
– أكيد حميد ذاق العسل ، كيف يستطيع الابتعاد ..
ردت كريمة باستنكار شديد :
– من يقول ..؟
قالت أميرة وهي تضحك :
– انتي ، ذات مرة كنا نتحدث وقلت حصل بينكما ” بوس وحضن ” ضحكت كريمة وقالت لها :
– صدق أنتي أصبحت لا تستحين أي كلام يأتي على لسانك ترميه بوجهي يافطيره ..! ، ياحميد يادلكات المصيبة الخطف مشتغل والتفجيرات والصبات الكونكريتية مالية الشوارع والدوريات تفتر والناس صدق ” دايخه ”
ردت كريمة :
– ” راح ايظل الحال مايل وما راح يتعدل وهذولا القشامر ماراح ايشوفون حلّ للبلد ..
قالت كريمة :
” شكوا عليهم رايحين جايين بشوارع بغداد وسط حماياتهم مثل خالك أسمر طويل ”
قالت أميرة :
– والحل …؟
ردت كريمة :
– ” لعبت نفسي من هذا الحال أريد أطلع من بغداد ، البارحة اكو أثنين رادو يخطفون حسن ، الجيران خلصوه من بين أديهم ”
كريمة قرأت في ملفات سومر عن الملاك الحامي ذاك الإله المحبوب ، هي لم تجده في حبيبها السابق الذي خانها ولا في زوجها البارد الذي ليس له حضور ، بل وعيها يفرض صورة والدها ”حبيب ” ، نعم لامكان للوهم أو الخزعبلات في الحياة المعاصرة تلك الوساوس والأفكار التي ثبتها العرف الاجتماعي بدأت تتأكل وهي قطعا لن تحمي أحدا مهما تصور وخاصة النساء ممن تسيطر عليهن الحساسية المفرطة ، لابد من البقاء ضمن دائرة ذاك الحبيب، والتحليق معه ولكنها ستكون بعيدة عن والدها ، ذاك الحنين الغامر يشدها إليه ، وكلما اقتربت منه العقل والجسم ينتظم، وتسبح الروح في بحر الآمان ، وتعم السكينة في الكون المضطرب …!
يتبع