فلسفة التربية الرياضية
الدكتور خالد عبد اللطيف
ان الفلسفة تهدف الى معرفة العلل والاسباب والعلائق والروابط بين الاشياء وحقيقتها الوقوف على الغايات من وجود الاشياء ، فهي تقدم تفسيراً للوجود والحياة والمبادئ والقيم الموجهة للحياة ، وكذلك فأن من اهم واجبات الفلسفة هو الفصل والتمييز بين الاشياء الحقيقية والاعتبارية وبذلك تقدم للعقل امكانية الكشف عن الحقائق وريادة المجاهيل الوجوديه والاجابة على الاسئلة التي يثيرها العقل بأستمرار .
اما مفهوم التربية فيعني الوسيلة الاساسية والاسلوب الاجتماعي الذي يكسب من خلاله الفرد طرائق الحياة واتجاهات المجتمع وقيمه العامه وعلى هذا الاساس فأن من اولويات التربية هو تحديد الفلسفة العامه والسياسة التربوية التي تخدم المجتمع وبيان الاساليب التي تحقق الهدف المطلوب ضمن الخطه التنموية العامه للمجتمع ، وهذا يقودنا الى اعتبار التربية منظومة فرعيه تدخل ضمن المنظومه الكبرى للمجتمع التي تمتلك نظاماً قيمياً محدداً يخدم الهدف العام لفلسفة المجتمع ككل .
ان مفهوم الرياضة يعني النشاط الحركي الذي يقوم به الانسان لإشباع حاجاته البيولوجيه والنفسية لان الانسان بحسب طبيعة خلقه التكويني ، كائن حي مصمم ربانياً لكي يتحرك بأستمرار وان الحركه تمثل له القاعدة والسكون والاستثناء ، وعند مخالفته لهذه القاعدة يصيبه الوهن والضعف والمرض ، ولهذا فـأن غاية الانسان في سعيه الدنيوي هو الحصول على المنفعة واللذة والسعادة وإبعاد كل ما من شأنه تسبيب الالم والشقاء والبؤس عن نفسه ، أي طلب الكمال والابتعاد عن النقص ويتجلى هذا السعي في مستويين الاول مادي والثاني معنوي .
ويصب النشاط الرياضي في السبل الموصله الى اللذة والمنفعة والسعادة مع بقية الوسائل الاخرى ، اذا ما ارتبط بمنظومة تشريعية الهية كالشريعة الاسلامية التي تقننه وتحكمه ، فهو يؤدي الى الغاية المطلوبة ويحصل الانسان على السعادة والكمال المرتبط بهذا النشاط وسوف تكون النتائج المتوخاة منه طبقاً الى فلسفة الشريعة الاسلامية وغاياتها .
ان فلسفة التربية الرياضية في العصر الاسلامي استندت الى بعدين الاول دنيوي والثاني الاخروي ، وهذا البعدان يتداخلان في حياة المسلم ، وان كان الاول يخدم الثاني لكن الثاني لايلغي الاول لئلا يقع الافراط والتفريط ، وبالتالي تحتل الحياة التي يفترض ان تكون منسجمة ومتوازنة ، وهما يساهمان معاً في تربية الفرد والمجتمع ويساعدانهما في التكامل والرقي المادي والمعنوي والحصول على السعادة المنشودة .
ان الفلسفة الالهية والوصفية تشتركان في طلب الكمال عبر وسائل عديدة لكنهما تفترقان في المرتكز والمنطلق والنظرة الفلسفية وتشخيص المصداقية ونلتمس الجوانب المشتركة بين هاتين الفلسفتين في التربية الرياضية من خلال الحصول على القوة المطلقة والتربية الاخلاقية والرقي الروحي والمتعة والترويح ، ان فلسفة التربية الرياضية تركز على الحصول على القوة بمفهومها العام بوصفها وسيلة لتحقيق غايات موضوعه سلفاً . اما الاسلام فيشترك مع الاديان السماوية والوضعية في هذا الامر لكنه يختلف عنها ويفترق في الغايات وان اشترك معها في معظم الوسائل حيث نجد ان الاسلام بوصفه منظومة حضاريه الهيه فهو يقر بشكل قاطع ان مصدر القوه الحقيقي ومالكها الاوحد هو الله سبحانه وتعالى ” ان ربك هو القوي العزيز ” ( سورة هود – الاية 66).
ان تاثير القوه عند المسلم انما يكمن في استجابته الطوعيه الفعاله لاوامر الله وتعاليمه وطاعته للرسول والذين امنوا لإقامة الخلافه الربانيه في الارض ، كما جاء بقوله تعالى ” اني جاعل في الارض خليفة “( سورة البقرة الاية 30) .
ان التاكيد على دور القوة وفق المنظور الاسلامي يهدف الى اعلاء كلمة الله في الارض ويندرج مفهوم القوه في مجال التربية الرياضية ضمن هذا السياق الاستراتيجي ويتصف بصفاته العامه مضافاً اليها خصوصية التربية الرياضية المرتبطة بالمنافسات والبطولات ، واهداف اخرى .
وبما ان الاسلام حضاره الهيه فهو يؤكد على ثبات القيم الاخلاقية المرتبطة بالروح ومنها قيم الشرف والعفه التي تتدخل في صياغة الشخصية وتساعد في تكاملها ورقيها ، لهذا فلابد ان تعتمد القيم الاخلاقية في المنظومة القيمية للحضارة الاسلامية مرجعية اساسية تستند اليها فلسفة التربية الرياضية عند المسلمين ، لان الاسلام لايقر اي نشاط من شأنه الاضرار بالنفس او المال العام والخاص ، لكون هذه الامور تعيق الانسان في الترقي والتكامل في الحياة الدنيا . وجاءت تشريعاته لتحرم مثل هذه الامور لفائدة الانسان ، وتخدم السعي المامور به الانسان المسلم ربانياً .
وتؤكد الحضاره الاسلاميه على ان الترويح يأتي بوصفه عاملاً مساعداً للانسان في سياق حركته التكاملية في السعي الحياتي وبناء شخصيته ، وهو بحد ذاته مطلب لاجل رفع الضغوط النفسية والبدنية التي يعاني منها الانسان في حياته اليومية ، قال امير المومنين علي (ع) ” ليس للعاقل ان يكون شاخصاً الا في ثلاث : مرحة المعاشر او خطوة في معاد او لذة في غير محرم ” ( نهج البلاغة) .
واكدت الابحاث العلمية الحديثة أهمية مناشط الترويح واعتبارها وسيله من وسائل العلاج الهامه للافراد الذين لديهم اضطرابات نفسية وعقلية وعصبية ، اذ اصبح الترويح جزءاً اساسياً في برامج العلاج في العديد من المستشفيات والعيادات الطبية ، وان أي علاج طبي طبيعي لابد ان يتضمن برامج ترويحيه يمارسها المرضى بجانب البرامج العلاجيه الاخرى . وكذلك اشارت الدراسات العلمية الى ان للترويح دوراً هاماً وبارزاً في الوقاية من الامراض ومنها امراض القلب والاوعية الدموية والام الظهر والمفاصل وخاصة في مجال النشاط الرياضي .
ان طلب الراحة النفسية والمتعة من خلال ممارسة الانشطة الرياضية الهادفه يعطي الشعور بالسعادة والاطمئنان ويبعد القلق والوساوس ويوفر الاتزان للشخصيه ويزيد في شعور الفرد بقيمة الحياة ويبعد عنه اليأس والاحباط والملل ويساعد في شد ازره لبناء الشخصية المتوازنة المطلوبة .
ان المنظور الاسلامي للتربية الرياضية هي عدم تحريمه او معارضته لاي نشاط رياضي للذكور والاناث ما لم يصطدم بالحدود الشرعيه التي بينتها الشريعة الاسلامية والتي تهدف الى ترقيه المسلمين افراداً وجماعات لكي يصنعوا الحياة ،ويبنوا الحضاره الحقه المتوازنه . ولهذا اكدت الشريعة الاسلامية على تطوير قدرات المسلمين البدنية والنفسية والصحيه لغرض الدفاع عن الدين الاسلامي الذي يتطلب مقدرة جسديه ونفسيه ، وتطوير الجوانب الاخلاقية وترسيخ قيم المحبة والرحمة والتسامح بين الشعوب والامم ، وهذا بالاضافة الى الحصول على السعادة والمتعة من خلال ممارسة الانشطة الرياضية وصياغة فلسفة تربوية اسلامية يندرج النشاط الرياضي فيها بوصفه احد وسائلها لبناء الفرد والمجتمع والبلد .