الصّورة الإتّصاليّة لرئيس الحكومة انتقادات للتّطوير أم “شغل سياسة” و”تنبير”
وذلك في إطار استئناف نشاطه بعد الوعكة الصحيّة التي ألمّت به. ربّما كثير ممّن ينتقدون “الإتّصال الحكومي” لهم الحقّ في جوانب محدّدة لكن يتجلّى في مواطن أخرى كثيرة أنّ المنتقدين إمّا هم من غير أهل الإختصاص وبالتّالي لا يفهمون ولا يفقهون أبجديّات العمل الإتّصالي وغير عارفين بتفاصيله وغير ملمّين بخلفيّاته وإمّا لغاية “التّنبير” والمزايدة وأعمال تدخل في طائلة “شغل السّياسة”.
وربّما تستهدف هذا الشّخص أو ذاك. وفي خضمّ استمرار الإنتقادات التي أراها من موقعي كاتصالي فارغة وجوفاء وفي غير محلّها كونها لا تضيف للإتصاليين ولا للإتّصال سوى مزيدا من المراكمات السلبيّة. لذلك أجدني مدفوعا بما يحتّمه عليّ الإنتماء والضمير المهني لأصدع وأفيد زملائي الصحفيين والإتّصاليين والرأي العامّ أنّ لمجة “الكفتاجي” التي اقتنصها البعض وحوّلها إلى “مسمار جحا” ليوظّفها ما شاء له التوظيف، هي أداة اتصاليّة متداولة وراقية لدى البلدان المتقدّمة ورائجة في أقطار العالم الذي بلغ درجات العلى في درجات السلّم الإتّصالي.
والحجّة على من ادعى، وهذا غيض من فيضها. لقد سبقت البلدان ذائعة الصّيت في مجال الإتّصال الرسمي النّاجح والنّاجع، ولعلّ في المقدّمة الولايات المتحدة الأمريكيّة، حيث يحتكم فريق الرئيس الأمريكي على مرّ التّاريخ على أعتى وأمهر وأكفأ الإتّصاليّين، هؤلاء الذين لم يتركوا كبيرة أو صغيرة من حياة “الرئيس” إلاّ ونقلوها للشعب الأمريكي وأطلعوه عليها عبر وسائط الإتصال المختلفة بالبيت الأبيض، وذلك عبر توخّي استراتيجيّة تقرّب الرئيس من شعبه دون أن تجعل منه صنما للعبادة. والأذهان ملئ بصور الرئيس “جون كيندي” بسهراته وصولاته وجولاته، وكلّنا يتذّكر الإعلام الرسمي للبيت الأبيض وهو يسوّق لصور “بوش الإبن” وهو يداعب كلبه متجوّلا في مزرعته بولاية “تكساس”، ليلة 20 مارس 2003 عندما كانت العراق تقصف بنيران القوات الجويّة والبحريّة لبلاده وحلفائها لبقايا نظام صدّام حسين في العراق، كأنّه يريد أن يقول لشعبه أنّ أمريكا القويّة في مأمن من الداخل وجيشها يقوم بمهماته على أفضل ما يرام وأن رئيسها “في بطنه بطّيخة صيفي” كما يقول المثل المصري.
الإتّصال الرسمي الأمريكي لم يشذّ عن العرف المتعاهد عليه، ولم يتوان عن نشر فيديوهات كثيرة ومتنوعة بصفة رسميّة للرؤساء المتواترين وآخرهم “باراك أوباما”، والتي من أبرزها على الإطلاق فيديو “الهليكوبتر واليوم الممطر” .حيث نزل “أوباما” من الطائرة المرحويّة الرئاسيّة لينتظر وقتا قبل أن تنزل موظفتان من فريقه الرئاسي فيفتح “أوباما” المطريّة ويرفعها عاليا متوسطا الموظفتين ويمنع من خلالها نزولا المطر المنهمر على رأسيهما، فيديو رسمي نشره البيت الأبيض على وسائطه الإتّصاليّة، وانتشر في العالم حتّى كاد يتجاوزه وحاز إعجاب العوامّ والنخب على حدّ السّواء. الفريق الإتّصالي للرئيس الرّوسي “فلاديمير بوتين” سار على نفس النهج الأمريكي منذ تقلّد ” بوتين” زمام السلطة في روسيا، وأضحى عاديّا أن يرى الشعب “القيصر” كما يحلو لفئة واسعة من الرّوس تلقيبه وهو يسبح في المحيطات أو يناور السباع والضباع أو يلعب “البيسبول” .
أو يمارس رياضة الجيدو أو تمارين تقوية العضلات أو يصطاد الطيور في الغابات والأحراش أو حتّى يسابق جيش الفقمة وسط ثلوج سيبيريا. وليست بريطانيا “مالكة البحار” القديمة ببعيدة عن المستوى الإتّصالي المتقدّم الذي بلغه الأمريكان والرّوس، ومئال الملايين بل المليارات من متصفّحي شبكة التّواصل الإجتماعيّة “فايسبوك” تصفّحوا “الفيديو” الذي ترجمه فريق الإتصال الخاصّ برئيس الحكومة البريطانيّة “دافيد كاميرون”، والذي يظهر فيه “كاميرون” انصياعا تامّا للقانون وأوامر أحد الأطبّاء له بمغادرة الغرفة الصحيّة لنزلاء بإحدى المؤسسات الإستشفائيّة البريطانيّة، وذلك خلال زيارته لأحد المرضى بالنظر إلى وجود إخلال بالنظام الصحّي داخل الفضاء الطبّي.
وكلّنا نذكر صورة “كاميرون” التي روّجها الإعلام البريطاني وتداولتها وسائل الإعلام الغربيّة والأجنبيّة والعربيّة وحتّى التّونسيّة، حيث أثنى عليها الإتصاليّون التّونسيّون أنفسهم.. أثنوا على “كاميرون” وهو يحمل أدباشه من مكتبه ولم يفعلوا ذلك مع “الشاهد” وهو يتناول مجرّد لمجة شعبيّة؟؟؟ وعلى خطى هؤلاء الزعماء وقادة الدول الكبرى نجد أيضا عديد رؤساء وزعماء في ديمقراطيات عريقة يعمل اتصالهم الرسمي لا على تأليههم وتأبيدهم وتزويقهم كأشخاص وإنّما تسويق صورة البلد من خلالهم، ولعلّ في “المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل”، والرئيس البرازيلي السابق “لولا داسيلفا”، ورئيس الأوروغواي “الفقير الزّاهد”، خير دليل على نجاح “الإتّصال الرسمي” في الترويج لصور تلك البلدان بغاية الدفع الإٌتصالي وجلب الإستثمارات وتحريك رؤوس الأموال الأجنبيّة إليها والرفع من وتيرة حبّ الإطلاع لدى عشّاق السياحة لإرتيادها، والوسيلة التّسويق لصورة القائد أو الزعيم أو الرّئيس لهذا البلد أو ذاك.
وليس ببعيد عن تونس فقد استطاع “المغرب” الشقيق أن يستقطب صنّاع القرار السياسي والإقتصادي في العالم، وأن يجلب الإستثمارات بمليارات الدولارات خاصّة بعد حملات الترويج والدعاية الإيجابيّة للأسرة الملكيّة حيث طوّر الإعلام الرسمي تلك الصّورة النمطيّة لسكّان قصور المملكة من ملوكها المتواترين وذلك من خلال فتح الأبواب أمام عدسات الكاميرا لتواكب حياة الملك “محمّد السّادس” وزوجته “ابنة الشّعب”‘ وأبنائه وعائلته الموسّعة فنال بذلك حظوة غير مسبوقة هوت فيها قلوب الجماهير حبّا لتواضع ملكهم الشابّ المتواضع.وتبعا لما تقدّم فإنّ الفيديو الخاصّ بعودة الحبيب الصيد إلى سالف نشاطه، ليس خطأ اتصاليّا كما وصفه البعض أو فضيحة كما وصفه آخرون، وإنّما هو خطوة في الإتّجاه الصحيح لتعبيد الطريق التي لم تكن سالكة بين “الحاكم” و”المحكومين”، والتي لا يعلم المنتقدون أنّ من أوكد مهامّ “الإتصال الحكومي” التقريب والتجميع ورأب الصّدع وتقديم الصورة كاملة، وأيضا بثّ بعض ما في الكواليس .
حتّى يكون الرأي العامّ على بينة ببعض التفاصيل الصّغيرة التي كانت مفقودة تماما خلال فترة حكم “الرّئيس الواحد، قائد الحزب الواحد ذي اللون الواحد”.ويجدر التّذكير أنّ “رئاسة الحكومة”، التسمية الجديد للوزارة الأولى، كانت وسيلتها الوحيدة لإعلام الصحافة وجماهير الرأي العام بالحراك الحكومي، قبل الثورة، إرسال بلاغات تنشرها الوكالة الرسميّة للأنباء ممثّلة في “وكالة تونس افريقيا للأنباء”، وذلك بعد أن تمرّ بعدّة مراحل من المتابعة والتصحيح من قبل مختصين مكلفين بهذه المهمّة صلب قصر الرئاسة بقرطاج، الأمر الذي تبدّل كثيرا بعد الثورة حيث فسح فيه الفضاء إلى الإتّصاليين ليدلوا بدولهم عبر المشاركة في المادّة الإعلاميّة الخاصّة بتغطية النشاطات الحكوميّة مكتبيّا أو مواكبتها ميدانيّا، وكذلك بعض المراسلات والبلاغات الرسميّة ذات العلاقة.
اليوم مكتب الإعلام والإتّصال برئاسة الحكومة مصدر فعلي للمعلومة، منه تنشر البلاغات الرسميّة وعبر فريقه يتمّ تنسيق النشاطات والندوات واللقاءات داخل قصر الحكومة بالقصبة وخارجها ويتمّ إعلام الصحفيين بها، إلى جانب أعمال اتصاليّة عديدة ومتنوعة لم تكن قبل ذلك توكل إليهم بل تعهد إلى “أصحاب المكاتب المغلقة”، اليوم وإن كانت الإمكانيّات متواضعة فإنّ مكتسبات ملموسة تحققت هي حاليا أدوات عمل الإتصاليين الحكوميين، بلاغات وصور وفيديوهات ودراسات منشورة وملخصات وتقارير معروضة، كفيلة بالإجابة على منتقدي الفيديو بأنّ اتصاليّي الحكومة يعملون بما أتيح لهم، ويحرزون تقدّما وتطورا يلمسه القاصي والدّاني. ما ينتظره الإتصاليّون العاملون في رئاسة الحكومة وفي مؤسسات الدولة الرسميّة عموما من زملائهم الصحفيين والإتّصاليين هو مساندتهم وفتح المجال لتبادل الآراء والأفكار والمقترحات معهم وخاصّة تبليغ صوتهم ونقل مشاغلهم، ولا ينتظرون فقط “التّنبير” عليهم وبشكل صار مستفزّا.