سعد الغزلاني: ” شهيد آخر من تلك التّلال المنسيّة”
وليس الإرهاب وحده ما يغيض ويغضب ولكن حالة العسكري “سعد الغزلاني” ووضع راعي الغنم الشهيد، وضعيتهما الماديّة والإجتماعيّة محزنة بل تدمى لها القلوب، فالرّائي لحال وأحوال عائلة الشهيد الغزلاني، يعيش مأساتهم ومعاناتهم دون أن يعايشها معهم، شهداء كثيرين منهم الأمني ومنهم العسكري أصلهم من تلك التلال البعيدة التي يعيش أهلها ما قبل “النظريّة الدروينيّة”، وربّما فيهم من يحيا عصر الجليد الأوّل حيث لا ماء “الصوناد” ولا كهرباء “السّتاغ”، وحيث الهاتف كافر والجوّال ساحر أفّاك أثيم، لا تلفزيون و”لا راديون”، أمّا المراقد فمضاجع الكلاب والقطط أفضل وأمّا الطعام فلا تأكله الجرذان ولا الفئران ولا حتّى الصراصير في اللّيلة الظلماء الدّهماء.
في تلك التلال المنسيّة تموت الحامل في الطريق ويتوفّى صغيرها، يأكل الذئب التلاميذ الصّغار في الطّريق وتفعل الوحوش من الآدميين ومن الأنعام ما تفعله في النّاس الأبرياء، معيشة ضنكة لبشر لا يفرّقون بين شتاء وصيف إلاّ وقت الفيضان أو ذات حريق يلمّ بزرع لا يسمن ولا يغني من جوع، تلال لا يزورها إلاّ أهلها أمّا الضيوف فلا يحلّ ركبهم إلاّ زمن المصالح وفي مواسم توزيع الكراسي والمناصب، ثمّ يرفسهم البغل وتقتلهم البهائم بنهيقها.
في تلك التلال المنسيّة تصنع المعاناة والمأساة إمّا رجالا محلّ ثقة وصبر وجلد ووطنيّة أو قساة عتاة فيهم من يجرم وفيهم من يرتمي في حضن الإرهاب، لا شيء غير الوعورة والجبال والفراغ الأزلي، حيث لا شغل ولا مشغلة ولا برامج ولا مشاريع، هناك حيث لا مسرح ولا فنّ ولا صحف، هناك حيث لا درهم ولا دينار، هناك تبدأ المقدّمات وتنسج الروايات وتكتب النهايات، نهايات أمست بشعة لا تخطر على بال انس ولا جان.
تلك التّلال المنسيّة تستوجب من سلطات البلد أن تفرد لها أكثر اهتماما وتخصّص لها العناية والرعاية حتّى تطمئنّ القلوب وتأمن الديار، وحتّى تتحرّك الأسباب فيسترزق العاطل ويشتغل المتعلّم، تلك التلال المنسيّة حريّ أن تضاء عتمتها وتخرج حقيقة من ظلمات الفقر والحاجة والمرض والعجز إلى نور الحياة والصحّة والفرح، هناك كنوز الرجال وهناك أيضا الخطر والسّرطان القاتل، تلال تعوي فيها الذئاب ليلا ونهارا لا ضير لها أن تلتهم الغافلين واليقظين، تلال تستوجب الحراسة وسياسة الكياسة.
كلمات وعبارات لا تستوفي أبسط حقوق وتضحيات أولائك الرجال والشباب، لا تستوفي تضحية النساء والشيوخ والأطفال، هؤلاء حقهم في الحياة والأمن والفرح أمانة في أعناق كلّ التونسيين حكّام ومحكومين، حان وقت التحرّك في اتجاه تلك التلال يا سادة.