مسرح الغضب إستمرار النهج المعارض
أعد كتاب المسرح الخشبة لاستلهام وكتابة وتمثيل تلك الوقائع من خلال مسرح محدود ومنظور يقدم ببراعة وذكاء ومضات فكرية تهدف الى رسم شكل القادة ومسرحة خططهم ، كان أولئك القادة قد برعوا في الايغال وهم يتنكرون لتنفيذ أفكارهم وفق قالب مسرحي قد أُعد بإتقان مذهل ترافقه البلاغة والمؤثرات المطلوبة وخاصة المارشات الموسيقية العسكرية وبيانات الخديعة الحربية .
تلك العوامل تفسر بوضوح الثورة التي اندلعت وتمخض عنها استمرار مسرح الغضب والذي ظل يمثل معركة وتظاهرة غير مباشرة وحالة اشتباك مع القرار السياسي ، هذا هو التفسير الحقيقي للإنتاج المسرحي .
الذي ساد في إنجاز العديد من المسارح المتقدمة وخاصة في بريطانيا ، كان دور مسرح الأحتجاج أو الغضب هو كسر أسلوب سطوة القرار السياسي وتجنيب البشرية حدوث حروب اخرى مدمرة وذلك من خلال تناول الحقائق المغيبة وكشفها دون خوف أو وجل هذا الأمر قاد الفنان الى حقيقة التحرر من الوهم او الرغبة والقبول بكل مظاهر العسف المترتبة على تلك الدعوات .
كما هي الحال في مسرحية الكاتب – ارنولد ويسكر – ” حساء دجاج بالشعير ” التي ظهرت في العام 1958 وهي من بين نصوص كثيرة هاجمت الإيديولوجيات السياسية وزرعت الشك ومدته بالتنامي حول مجمل التغييرات السياسية والاجتماعية والقوانين .
وهي ايضا رصدت خيبة الأمل وحالة الوقوع في الوهم الكبير ورسمت صورة واضحة لتلك السياسات البرلمانية الفاشلة إبان الصراع الصناعي ومخلفات أزمة الحرب العالمية الثانية ، قدم الكتاب في المسرح وجهات نظر سياسية بديلة وتتعارض مع القرار المفروض من قبل السلطة .
هذا الإتجاه مهد الطريق فيما بعد لظهور نصوص مهمة وكذلك اعطى الدعم لاستمرار مسرح الغضب كما هي الحال في المسرحيات التي قدمت في فترات متلاحقة على خشبة المسرح البريطاني مثل ” القضاء والقدر – أعياد أول مايو –حياة الولد الصاخب – عاطفة في 6 أيام – الطفل الحزين “، ونجد في تلك النصوص ان مسرح الغضب قد تميز بلغة الهجاء والسخرية التي تطلق انتقادات لاذعة وذكية ، كما هي الحال في مسرحية “قوة الكلب– لباركر ، والعيد العنصري– لإدجار “.
ساهمت تلك المسرحيات من منطلق التحذير من الكوارث التي عصفت بالمجتمعات ومقاومة المنطق المزدوج الذي يعمل على إيجاد أرضية للحرب الجديدة، وجد الكاتب المسرحي تكيفا في مجال كتابة الدراما وإعداد السياقات المسرحية المناسبة لتلك المسرحيات التي تم نشرها .
ونجحت في جعل مسرح الغضب في حالة توهج مستمر وهو يهاجم ظروف الحرب الباردة وتردي القوانين بشكل عام ، حدث بقوة رفض الإنزلاق في حروب كونية جديدة وأيضا رفض إطاعة القبضة الإيديولوجية أن الملامح التي ظهر بها العرض المسرحي الغاضب الحي ، كانت تتمثل في قدرته الكبيرة على توظيف المقولة والحدث والمكان لتلك الصور المسرحية المستعارة الغاضبة .
أيضا نتج عن ذلك رسم أمكنة ومواقع في تلك المسرحيات وهي تكشف عن فداحة الخسائر البشرية والمادية لو تم تنفيذ تلك السياسات اللاإنسانية الغاشمة والتي تمثلت فيما بعد بظهور الموجات الإرهابية والمؤسسات المتعددة الجنسية وكذلك وكالات الاستخبارات وتجار المخدرات.
الى جانب التحذير من قضايا التلوث البيئي والإنفجار السكاني والإنتشار المكثف للسلاح النووي واستنفاذ المواد الأولية وزيادة نسبة الفقر ، استخدم مسرح الغضب كشف المسكوت عنه في الجانب السياسي من خلال التوليف المستمد من المثيولوجيا والفولكلور الشعبي وإشاعة روح الكوميديا لتقليل الرتابة والملل ودقة الحوار في الوصف والابنتعاد عن العبارات الرنانة الطويلة والتحذير من أهوال الحرب التي لن تكون بعيدة وإذا وقعت فلن تكون ثمة نهاية لها وتآكل الفكر الحزبي .
كل ذلك كان يجري توظيفه من خلال حبكة مسرحية متقنة الصنع لها ذروة قوية وأعماق تكشف عن صراع قوي متصاعد .
تؤكد أغلب مسرحيات مسرح الغضب على قدرة الأفراد في مجال التجربة البديلة واستلهام التاريخ الشخصي للقادة وأصحاب القرار في حالة توثيق يسبر أغوار تفاصيل معقدة تحتفي في الغالب بالتعبير عن الذات في ثقافة جديدة تعارض التدمير البشري.