تعدّ شعبة التربية والتعليم من بين الإصلاحات التربوية التي انتهجتها البلاد التونسية في حدود 2016 والتي آتت أكلها في حدود سنة 2019 حيث كان لتونس ثلة من الأساتذة المميزين على جميع المستويات وفي جميع المجالات التربوية. فهؤلاء التحقوا بشعبة “التربية والتعليم” رغبة منهم في إصلاح ما اهترأ من المنظومة التربوية وفي الأخذ بأيادي المتعلمين وتحفيزهم على الفعل والمبادرة والعطاء.
لا يمكن أن تجحد الدولة الدور الرّيادي الذي قام به خرّيجو التربية والتعليم من إحداث نوادي تنمية مستديمة ، والمبادرة بإنجاز الدروس خارج أسوار المدرسة التي طالما ضاقت بتلاميذ لم تتجاوز أعمارهم 11 سنة، إحداث نوادي إعلامية، تغيير طرق تسيير الفصل وإخراجه من قوقعة النمطية…. لا ينتهي الحديث عن إنجازات أساتذة لم تتجاوز تجربتهم السنة الواحدة.
هكذا التحقوا بمراكز عملهم بإصرار على الإبداع والابتكار والبناء والانتقال وأهم من ذلك التأسيس الفعلي لمدرسة الغد. مدرسة منفتحة، تسمح بالخروج عن المألوف. مدرسة تسمح للمتعلمين أن يكونوا مواطني الغد، مواطنين مسؤولين وفاعلين.
فمن خلال التجربة الراقية والنوعية التي زاولتها المدرسة التونسية مع هؤلاء الأساتذة المتميزين نتبيّن حتما مصير المدرسة والثورة التربوية التي ستغير تركيبة المدرسة وتنمي زاد التفكير لدى المتعلمين.
لكن السؤال الذي نطرحه حتما، هل الدولة في حاجة إلى الرقي بالدولة؟
فالدولة الفقيهة والمسؤولة تدرك أن انهيارها نتيجة حتمية لانهيار المنظومة التربوية.
فما سرّ هذا التنكّر والانحياز إلى الإسقاط اللامتناهي على المنظومة ؟
الأصل في المواضيع أنّ الدولة التونسية تسعى اليوم إلى القضاء على هذه الكفاءات من خلال السعي إلى إجهاضهم بتغيير السلك القانوني الذي سعوا إليه.
كيف لأستاذ تعليم ابتدائي تميز على الصعيد السوسيولوجي الديداكتيكي البيداغوجي والعلمي خاصة أن تنحيه وزارة التربية جانبا عن طريق حصره بشكل سلبي “لاصفة لا دورو” وتسعى هي الأخرى إلى توظيف أشخاص لم يجدوا شغلا آخر ؟
من هو خريج التربية والتعليم؟
أستاذ مثقف ،متحصّل على باكالوريا من اختصاص مرموق، التحق بسلك التعليم رغبة منه في الالتحاق.
باختصار هو أستاذ جاهز للفعل ليس فقط من خلال ما تلقاه من علوم في التربية أو استراتيجيات في التدريس الحديث تخول له التدريس بجميع الأشكال ولا حتى لأنه مختصّ وجدير بعملية التواصل المعقدة التي تتأسس داخل أسوار المدرسة بل لأنّه شخص تتوفر لديه الدافعية لأداء ما اختاره من عمل.
فإن كانت الدولة التي حددت له موقعا منها إليها فإنّ هذا الأستاذ حدّد موقعه منه إلى المدرسة.
هذا الأستاذ خريج التربية والتعليم ارتمى في أحضان المدرسة لينتج، ليخرج ما فيه من حياة.
فهل وزارة التربية بكلّ ما أوتيت من رغبة في إصلاح المنظومة ستقتل هذه الحياة؟ ستقتل ذلك الحماس؟ أحقا وزارة التربية التونسية لا تعتبر منظوريها ذوي أحقيّة في الميدان وتخترق القانون الذي يقضي بانتدابهم حال تخرجهم كأساتذة تعليم ابتدائي؟
أقول أنّ المدرسة التونسية هي في النهاية تجسيد لرغبات اجتماعية لا تحددها مقاييس قيمية ولا فنية مضبوطة. وتلك الرغبة الجامحة من قبل الأطراف المتعددة حسب رغبة كل منهم في تجسيد ذاته تحول دون التقدم الاجتماعي. فلا يمكن لأي كان أن يخترق الفصل الذي يحوي أكثر من 35 تلميذا ويصعد المنصة ليغير من تلك الذوات.
الأمر رهين القدرة على الفعل ولا أحد اليوم في تونس ينكر قدرة الأساتذة خريجي التربية والتعليم على الفعل.
فقدرتهم على الإحاطة بقضيتهم بشكل متحضر ينمّ عن وجود هذه الشخصيات القائدة التي ستنير العقول وتجلي ذلك الغمام عن المنظومة. قادة كانت لهم القدرة على التنسيق والنضال المجموعاتي.
قادة جمعتهم ساحات النضال منذ نعومة أظارفهم منذ نشأتهم الأولى لن تقدر الدولة على خذلانهم والإلقاء بهم في تلك “الحفرة اللعينة”.
هذه الشعبة التي أضحت مرصد انهيار لن تنهار أبدا مادامت أنجبت هذه الشريحة التي ستنجز حتما مايجب إنجازه.
لن تنهار الأم والمولود عنيد لن تنهار هذه الشعبة أبدا !