يلملم الليل عباءته السوداء ، يهجرني النوم ، ينتابني حنين يغلفه الشجن ؛ فهممت أفتش في صندوق ذكرياتي وأوراقي القديمة التي استحالت لاصفرار ، أقلبها فأقرأ عليها تاريخا شهد تمردي وعنفواني ، تتحسر روحي على عمر فات ، لم أعرف فيه ماذا أريد ، وعمَّ أبحث .
- ما بالي اليوم أفتش في خرائب الذاكرة ؟ ما تلك الرغبة الملحة في تأنيب الذات ؟ ماذا يفيد ذلك في رجل تعذبت روحه ؟ سحقا لعذاب الروح يفوق عذاب الجسد بسنين ضوئية .
تقع عيني على صورتها ؛ يفوح شذاها يملأ أنفاسي ، ما زلت أحس ملمسها ، وثورة رغبتي حين أسرت جسدها النافر المتمرد ، أحببتها ولم أحب سواها ، جعلتني أسيرا لحبها ، منحتها قوتي فما أخذت إلا صدا وإغفالا ، صرت أرى بعينيها ، أتكلم بلسانها ، لم أستفق إلا وأنا قعيد كرسي متحرك ، بعد أن رأيتها بعيني تخون … - وماذا كنت تنتظر مني ؟
- أأمنحك الحب فتردين بالقسوة ؟
- أريد من يمنحني القسوة . الحب للمرضى .
- أنت وهم .. أنت فانية …
ترن ضحكتها عالية تهزني بلا شفقة أو هوادة - أنا بلا روح
- لقد جعلتك تذوقين مذلتي ، فلتتذوقي الآن تمردي وثورتي
بابتسامة ساخرة : - ألا ترى حالك كيف صارت ؟ سرت في ظلي ؛ فلم يجد في أثرك صاحب .
يشق آذان الفجر السكون المطبق ، أتحامل على نفسي ، تملأ العزيمة روحي ، تنطلق في قلبي ابتهالات وأناشيد ؛ فتنبعث الطاقة في أوصالي ، أفتح جواز سفري ، أتأمل موعد السفر ، الغد موعد سفري ، تثب روحي كالطفل ليلة العيد ، أحتضن ملابسي البيضاء متمتما : - لبيك اللهمَّ لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك …