الأدبالثقافةالفكرحوارات

يوبا ثازيري: من الضروري إعادة التفكير في القضايا الاجتماعية والثقافية في الجزائر

جمال قتالة

في سياق معقد وغني بالتحديات، يستكشف الأدب الجزائري المعاصر مواضيع حاسمة تتعلق بالهوية، والتنوع الديني، والذاكرة التاريخية. ومن بين الأصوات البارزة في هذه الساحة الأدبية، يتميز مؤلف رواية “أولاد اليهودية”  يوبا ثازيري، بنهجه الجريء والتزامه بمناقشة قضايا غالبًا ما تُعتبر تابو. يقدم هذا الحوار لمحة عن إلهاماته، ومساره الشخصي، ورؤيته حول أسئلة أساسية مثل العلاقة بالهوية، ومكانة الأقليات، وتأثير التاريخ على المجتمع الحالي.

من خلال تأملاته، يدعونا المؤلف إلى إعادة التفكير في القضايا الاجتماعية والثقافية التي تشكل الجزائر اليوم.

 ما الذي ألهمك كتابة رواية “أولاد اليهودية”؟ هل هناك عناصر من سيرتك الذاتية أو تجارب شخصية أثرت على هذا العمل؟

 تعرفت على شخص ربطتني به علاقة صداقة متينة. والده مسلم جزائري وأمه يهودية جزائرية. أتاحت لي هذه الصداقة اكتشاف وجود طائفة يهودية في الجزائر، حيث غادرت أكثريتها البلاد في ظروف معينة، بينما آثرت قلة منها البقاء والعيش في وطنها، ولكن في الخفاء، طبعا، لأسباب طويلة. كما أتاح لي هذا الصداق التعرف على طائفة دينية أخرى، وهي طائفة المتنصرين الجزائريين (المتحولين إلى المسيحية)، حيث عايشت أوضاعهم القانونية وظروفهم الدينية والاجتماعية. فقد رفض صديقي هذا دين أبيه وأنكر دين أمه، واتخذ من المسيحية الكاثوليكية دينا له.

أما عن تأثير سيرتي وتجربتي الشخصية في الرواية، فهذا أمر لا يمكن إنكاره، خصوصًا في إشكالية الهوية.

 لماذا اخترت مدينة باتنة كمكان رئيسي لأحداث الرواية؟ ما هي أهمية هذه المدينة في سياق تسعينيات القرن الماضي في الجزائر؟

أردت أن أتحدث في كتابي عن مرض خطير يصيب بعض الشعوب والمجتمعات، وهو مرض التنكر للهوية والانتساب إلى الغير، ولم أجد في الجزائر مدينة أنسب لهذا الموضوع من مدينة باتنة.

 تعتبر العشرية السوداء فترة محورية في تاريخ الجزائر الحديث. كيف استطعت معالجة هذه الحقبة في روايتك مع المحافظة على التوازن بين الحقيقة التاريخية والخيال الروائي؟

 كنت طالبًا في جامعة باتنة قبيل اشتعال أتون المأساة الوطنية وأثناءها، وعاصرت العديد من الأحداث السياسية والأمنية التي طغت على تلك المرحلة العصيبة من تاريخ وطننا، مثل المظاهرات والإضرابات والمواجهات الأمنية العنيفة بين قوات الأمن وبعض الإسلاميين. كما شهدت نقاشات حامية بين الطلبة من أنصار الدولة الإسلامية والأنصار العلمانية، وكذلك تلك التي كانت تدور بين القوميين العروبيين والبربريين. ولعل ذلك هو السبب في اعتمادي بشكل كبير على الحوارات في كتابي.

 الثالوث السياسي، الهوية، والدين هو محور أساسي في روايتك. في رأيك، كيف تتفاعل هذه العناصر الثلاثة في المجتمع الجزائري الحالي؟

تفاعلها لا يدعو إلى التفاؤل، نحن شعب متعصب ضيق الصدر لا يتقبل الرأي الآخر: الإسلامي يمقت العلماني، والعروبي يبغض الأمازيغي، والمسلم لا يطيق غير المسلم، والعكس صحيح، جميعنا ندعي حب الحرية، ولكننا في الحقيقة نريدها لأنفسنا فقط، ولا نرضاها لغيرنا.

ثم إننا نفتقد إلى المنهجية والتفكير السليم، حيث نخلط الدين بالسياسة ونقحم الدين في العلم، ونحكم على الأشياء بالعاطفة بدلاً من العقل.

بهذه الذهنية السقيمة، من المحال أن نبني دولة متقدمة.

تناولت مصير اليهود في الجزائر كأحد المواضيع هل تعتقد أن هذا الموضوع يُناقش بما فيه الكفاية في الأدب الجزائري؟ وكيف تعاملت مع هذا الموضوع الحساس في روايتك؟

 كلا، لم يُناقش بما فيه الكفاية. بعض الأدباء يتحاشون الخوض في هذا الأمر بسبب تعقيده وحساسيته، بينما لا يراه البعض الآخر جديرًا بالاهتمام. لقد حاولت قدر الإمكان أن ألتزم الموضوعية والحياد في تناول هذا الموضوع، حيث أعطيت كامل الحرية لشخصيات الرواية من أصول يهودية للدفاع عن دينهم وطائفتهم بكل ما أوتوا من أدلة وحجج. وهي السبيل ذاتها التي سلكتها مع مختلف الثنائيات “الأضداد” التي تحدثت عنها في كتابي: “مؤمن/لاديني”، “إسلامي/علماني”، “عروبي/بربري”، “مسلم/مسيحي”، “مسلم/يهودي”….إلخ، تاركًا للقارئ الخيار في أن يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، فالرواية تتناول قضية الهوية الجزائرية واللغة الأمازيغية.

كيف استطعت من خلال شخصياتك وحواراتك إظهار أهمية هذه القضية في المجتمع الجزائري؟

 لقد قرأت الكثير عن إشكالية الهوية وتسلحت بالحقائق والمعلومات المتعلقة بها قبل أن أخوض غمار تأليف هذه الرواية.

كما أنني أنتمي إلى منطقة عانى أبناؤها وبناتها بشاعة التمييز والاحتقار من بعض سكان المناطق الناطقة بالعربية بسبب لغتهم الأمازيغية.

شخصياتك تخوض في نقاشات عميقة وحوارات شيقة، كيف عملت على بناء هذه الحوارات لتعكس الصراعات الداخلية للشخصيات والتوترات الاجتماعية في تلك الفترة؟

 بذلت قصارى جهدي في أن أتقمص شخصيات الرواية جيدًا لأتمكن من التعبير عن الأفكار والمشاعر التي تضطرب في عقولهم وقلوبهم. ولألا يشعر القارئ بالملل، عمدت إلى إضفاء بعض الفكاهة والمرح على تلك الحوارات.

 كيف قمت بتطوير شخصياتك الرئيسية لتعكس التيارات الأيديولوجية والسياسية والدينية المختلفة التي كانت تجتاح الجزائر في التسعينيات؟

اخترت لكل ديانة ولكل مذهب إيديولوجي وسياسي شخصية متميزة قادرة على الدفاع عن قناعاتها ومواقفها. ثم جمعت بينهم في مجالس وحوارات ساخنة، تاركًا إياهم يتصارعون فيما بينهم. وبهذا، قدمت للقارئ صورة بانورامية تعكس الحقائق والأوضاع التي كانت تسود المجتمع في تلك الفترة.

 تبدو الرواية تتساءل عن مفهوم التسامح الديني في الحياة اليومية. في رأيك، ما هو الشكل الحقيقي للتسامح في المجتمع الجزائري اليوم، وكيف عالجت هذا السؤال في كتابك؟

 أنا أفضل مصطلح “التعايش الديني” على مصطلح “التسامح الديني”، لأن التسامح يكون مع من أخطأ في حقنا، وليس مع من يختلف عنا، لأن الاختلاف هو سنة من السنن الكونية وحق من حقوق الإنسان.

طالما أن اليهود والمسيحيين الجزائريين مضطرون للعيش في السرية التامة، خوفًا من بطش الأغلبية المسلمة، فلا وجود للتعايش الديني في الجزائر.

إلا في ذلك التعايش الموجود بين الأغلبية المسلمة السنية والأقلية المسلمة الإباضية، وهو تعايش يبدو هشًا في بعض الأحيان.

ما هي مكانة الدين في العلاقات بين الشخصيات؟ وكيف أردت أن تبرز الاختلافات العقائدية في مجتمع يواجه توترات هوياتية ودينية؟

 الدين له مكانة في غاية الأهمية. الانتماء إلى الدين عند الجزائري مقدم على الانتماء إلى الوطن. فالمسلم الجزائري يفضل ألف مرة المسلم الماليزي أو الباكستاني على المسيحي الجزائري واليهودي الجزائري، والعكس صحيح وهذا شيء في منتهى الخطورة.

 هل فاجأك النجاح الذي حققه كتاب “أولاد اليهودية”؟ وكيف كان استقبال الجمهور له، خاصة في الجزائر، حيث قد تكون المواضيع التي تناولتها حساسة؟

 ليس لي أن أحكم على نجاح الرواية من عدمه. أما بخصوص موقف قرائي الذين تحاورت معهم، فهو مزيج من الإعجاب بالرواية والدهشة من مواضيعها وطريقتي في تناولها. بل إن بعضهم قد ساورته الشكوك في صحة بعض المعلومات والحقائق الواردة في الكتاب.

وقد أوضحت لهم أن غرضي من تأليف هذا الكتاب ليس أن أحشو أدمغتهم بما أشاء من معلومات أو أن ألقنهم ما أهوى من أفكار وقناعات شخصية، وإنما قصدت إحداث صدمة في ألبابهم عساها تدفعهم إلى القراءة والاطلاع بحثًا عن الحقيقة.

ما الرسالة التي تود أن توصلها إلى القراء من خلال “أولاد اليهودية”؟

 المجتمع السعيد هو المجتمع الذي يمجد العلم والعدل والحرية والأخوة، وينبذ الجهل والتعصب والكراهية والقهر.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق