جمال قتالة
في المشهد الأدبي المعاصر، تبرز بعض الأصوات بأصالتها والتزامها. ومن بين هذه الأصوات تلمع أميرة غنيم، الكاتبة التونسية التي نجحت في لفت انتباه القراء من خلال سرديات تمزج بين الواقع والخيال، متناولة قضايا اجتماعية وسياسية ذات أهمية بالغة. في هذا الحوار، نغوص في مسيرتها الأدبية، نستكشف التأثيرات التي تغذي كتاباتها، ونستعرض التحديات التي واجهتها، خاصة فيما يتعلق بترجمة أعمالها من العربية إلى الفرنسية. ومن خلال أفكارها، تدعونا أميرة غنيم لاكتشاف أسرار فنها، تطلعاتها، ورؤيتها للأدب كأداة للتفكير والحوار.
هل يمكنكِ أن تحدثينا عن مسيرتك الأدبية وما الذي ألهمك للكتابة؟ ما هي التجارب التي أثرت في مسارك؟
منذ صغري، كنت أستمتع بشدة باختراع القصص: مثل الجارة التي تقع من السطح على ظهر حصان هائم، أو القط الأسود الذي يطير فوق حظيرة الدجاج ويأكل الفراشات المضيئة، أو الدجاجة التي تجيد تلاوة الأبجدية، والديك الذي يعد حتى عشرة بالإنجليزية. أدركت سريعًا أن اختلاق القصص شفهيًا يؤدي إلى التوبيخ، لكن بمجرد كتابتها تتحول هذه التوبيخات إلى مدح. في الحقيقة، التخيل شفهيًا يُعتبر كذبًا، لكن كتابيًا يُعتبر أدبًا. عندما كبرت، خفت هذه الرغبة في خلق عوالم موازية، أو هكذا كنت أعتقد. خلال فترة طويلة، اكتفيت بكتابة أبحاثي العلمية حتى جاء اليوم الذي شعرت فيه بالملل من كتابة أطروحتي للدكتوراه، ففتحت ملفًا جديدًا على حاسوبي أطلقت عليه اسم “رواية1″، وهكذا ولدت روايتي الأولى.
من هم الأدباء أو الأعمال التي أثرت في كتاباتك، وكيف تظهر هذه التأثيرات في أعمالك؟
تأثرت أولًا بالأدب الكلاسيكي: الجاحظ، ابن المقفع، نجيب محفوظ، حنا مينة، طه حسين. كما قرأت الأدب الفرنسي الكلاسيكي مثل فلوبير، زولا، فيكتور هوغو. بالمناسبة، أول رواية قرأتها في طفولتي كانت “البؤساء” مترجمة إلى العربية. من المعاصرين، تأثرت كثيرًا بميشيل بوتور؛ روايته “التعديل” أثرت فيَّ. وأيضًا الكاتب الأمريكي فيليب روث الذي ألهمني بأسلوبه البسيط والواضح والذي ترك بصمة في كتاباتي.
ما هي المواضيع الأساسية التي تستكشفينها في أعمالك؟ ولماذا تعتبرينها ضرورية اليوم؟
بصراحة، لا أختار مواضيع مسبقًا. القصة تأتي أولًا، ثم يُبنى السياق والشخصيات، ويتدفق السرد بطبيعته. تتشكل المواضيع من خلال الأحداث، لكنني أميل لإعطاء صوت للمضطهدين، ولأولئك الذين أجبروا على الصمت. في عالم اليوم، الجميع يشاهد، ولكن قلة هم من يستطيعون التعبير بدقة عما يرونه. في كثير من الأحيان، يتم إخفاء الفظائع المعروضة للعالم تحت ستار من الصمت المدوي.
كيف تصفين أسلوبك في الكتابة؟ هل هناك تقنيات معينة تفضلين استخدامها في عملية الإبداع؟
لا أصفه، أترك ذلك للنقاد. أركز فقط على كتابة نص يعجبني كقارئة، وأميل إلى بساطة الأسلوب وتعقيد البناء السردي. أحب اللعب مع القارئ، وتحطيم توقعاته المسبقة، وتحدي المقاربات النمطية. أحاول بناء أسلوب كتابة مرح يعزز عدم استقرار السرد ويعتمد على لهجة مثيرة للجدل.
ما هو مصدر الإلهام لرواية “نازلة دار الأكابر”؟ وكيف تطورت فكرتها خلال كتابتك لها؟
ولدت الفكرة من مقال كنت أكتبه حول المساواة في الميراث بين الرجال والنساء في تونس. أول من ناقش هذا الموضوع في أوائل القرن الماضي كان المفكر التونسي الطاهر الحداد. وبينما كنت أقرأ أعماله، لفتت انتباهي بعض الأبيات الشعرية التي تحدث فيها عن محبوب غائب. تساءلت: هل كان عاشقًا حين كتب عن وضع المرأة؟ من هنا انطلقت فكرة الرواية.
هل واجهتِ صعوبات في ترجمة هذا الكتاب من العربية إلى الفرنسية؟ وكيف تعاملتِ معها؟
لم أواجه أي صعوبات لقد تمت الأمور بسهولة وسلاسةحيت تواصلت معي دار النشر “فيليب ري” بناءًا على توصية من الكاتب التونسي يامن المناعي الذي أشاد بالرواية في نسختها العربية. قامت الشاعرة سعاد لبيز بترجمة الرواية بشكل ممتاز.
؟كيف كان شعورك عندما تم ترشيح كتابك لجائزة ميديسيس
كانت فرحة عظيمة وتكريمًا جميلاً للأدب التونسي، وهو أول ترشيح لرواية تونسية لهذه الجائزة المرموقة. أشعر بالفخر لعبور هذه المرحلة المهمة التي تساهم في تعزيز مكانة الأدب التونسي على الساحة الدولية.
ماذا تتمنين أن يتذكر القراء من “نازلة دار الأكابر”؟ وما هي النقاشات التي تأملين أن تثيرها؟
أتمنى أن يبقى الكتاب في ذاكرة القراء لفترة طويلة بعد قراءته، وأن يشعروا بالرغبة في إعادة قراءته في المستقبل. آمل أن يدفعهم أيضًا لاكتشاف المجتمع المدني التونسي الغني بتنوعه وطموحه الدائم نحو التقدم والحرية.
ما هي مشاريعك المستقبلية ككاتبة؟ وهل هناك مواضيع أو أنواع معينة ترغبين في استكشافها لاحقًا؟
لا أحب تقييد نفسي بنوع أدبي معين. الكتابة بالنسبة لي مغامرة مليئة بالمفاجآت. أعمل حاليًا على مشروع لإعادة كتابة جزء من التاريخ التونسي المعاصر، بمزيج من الحقائق والخيال. روايتي الأخيرة تراب سخون تدور حول السيدة الأولى في تونس في عهد بورقيبة، أما الرواية القادمة فستتناول بورقيبة نفسه، في مزيج مثير بين التاريخ والخيال.
ما هي النصائح التي تقدمينها للكتاب الشباب الذين يفكرون في الدخول إلى عالم الكتابة، خاصة في سياق الفرنكوفونية؟
لا أعتقد أن السياق مهم. في الواقع، أعتقد أنه من الأفضل تجاهله عند الشروع في الكتابة. ليس لدي نصائح لأقدمها لأنني لا أرى نفسي ككاتبة مخضرمة تمنح نصائح للآخرين. أنا مبتدئة بنفسي ولا أحتاج إلى نصائح. الأهم هو احترام ذكاء القارئ والسعي دائمًا إلى أن تكون جديرًا بالقراءة.