حوارات

الدكتور حبيب حسن اللولب :ظاهرة التطرف والغلو والإرهاب دخيلة على المجتمع والشباب التونسي

ماهي المؤسسات التي ساهمت  في ترسيخ دور الشباب من أجل خدمة النضال الوطني؟

يعتبر جامع الزيتونة وفروعها العريقة والمتجذرة عبر التاريخ من أكثر المؤسسات التي لعبت دورا مهما وحيويا بهذا الخصوص ، الى جانب المدارس والمؤسسات الخيرية التابعة للزوايا والطرق الصوفية،التي ساهمت بارزا في نشرالتعليم والمعرفة والمحافظة على الهوية الحضارة العربية الإسلامية بتونس وباقي الدول المغاربية كالجزائر وليبيا.

فعملت على تحصين الشباب التونسي والمغاربي وربطه بهويته الوطنية فضلا عن وقايته من التطرف وتوج كل ذلك الجهد المتنوع بإسترجاع الاستقلال التونسي في مارس 1956م.

كيف  تعامل الشباب مع إصلاحات بورقيبة حينها؟

إن ظاهرة التطرف والغلو والارهاب،هي ظاهرة دخيلة على المجتمع والشباب التونسي،وتعود جذورها الى ادارة الاحتلال الفرنسي لتونس ودولة الاستقلال والمتمثلة في مشروع الرئيس الحبيب بورقيبة التحديثي-العلماني-اللائيكي؛الذي تولى السلطة من (1956-1987) م،حيث بعد تغلبه على الجناح العروبي-الزيتوني بزعامة الأستاذ صالح بن يوسفالامين  السابق لحزب الدستوري وما عرف (بالامانة العامة) بدعم من الحكومة الفرنسية،اتخذ عدة إجراءات وقرارات ضد الهوية والتراث العربي الإسلامي،وهو مالم يعهده المجتمع التونسي المحافظ على اعتبار الأمر دخيلا؛ جيث عمل على محاربته ونضال من اجله خلال فترة الاحتلال الفرنسي،وتمثلت في غلق مؤسسة جامع الزيتونة وفروعها (التعليم الديني) ،وحل مؤسسات الزوايا والطرق الصوفية ،وإلغاء الأوقاف، ومحاربة التدين،واستيراد مشاريع وأنظمة سياسية من الغرب بشقيها (الرأسمالي والاشتراكي- الشيوعي) ،وإسقاطها على المجتمع التونسي دون تكييفها ومزاوجتها مع الهوية،والاستبداد بالحكم بالرئاسة مدى الحياة ماعرف(بالجمهورية- الملكية) ، والإقصاء والتهميش بين الحهات.

كل هذا أدى إلى التقوقع والفشل والتصحر السياسي والثقافي والديني ،وقاومت النخبة المتخرجة من الزيتونة والصادقية هذه السياسة، وحصنت الشباب من التطرف والغلو، وأخرت ظاهرة التطرفالى حين، لكن أثار ونتائج هذه القرارات ستظهر بزوال ورحيل هذه النخبة الوطنية، خلال فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي(1987-2010)م . 

إذا كانت هناك مؤسسات حافظت على دور الشباب التونسي من التطرف أثناء نظام بورقيبة هل بقيت محافظة  أيضا على دورها في حكم بن علي؟

تولى زين العابدين بن علي الحكم اثر انقلاب الأبيض على الرئيس الحبيب بورقيبة، بعد عجزه عن تسيير دواليب الدولة بسب كبر سنه ومرضه من (1987-2010) ،وهو مواصلة لنظام السابق،وفي عهده  إزداد الوضع أكثر سوءا، وأصبحت الساحة التونسية خالية من العلماء والمفكرين ورجال الدين، وإتباع سياسة أكثر تطرف وغلو وإستبداد وإقصاء وتهميش ورفض الأخر،وتجفيف منابع الهوية العربية الإسلامية من البرامج التربوية والتعليمية،منذ تولي الإستاذ محمد الشرفي الاشراف على وزرتي التربية الوطنية  والتعليم العالي والبحث العلمي.

وانشرت كذلك ثقافة  ما عرف “بمهرجانات الفوكلورية والرياضة” واليانصيب PROMO SPORT“،مما أدى إلى تخريج دفعات متطرفة من اليمين واليسار،وأصبحت عرضة لاستقطاب والتجنيد من قبل قوى متطرفة، مما أدى إلى تنامي مشاعر الكراهية والرفض، وبقيت مكبوتة في انتظار تفجيرها ،بحكم ضعف مستواها التعليمي والديني والثقافي،وأزداد الوضع سوءا ورداءة بانتشار الفكر المتطرف والغلو،بسبب التصحر السياسي والثقافي والتعليمي والديني، الذي عاشته البلاد التونسية ،وعرفت عدة ظواهر (مثل عبادة الشيطان والتشيع والتمسح والالحاد…) .

عرفت البلاد التونسية نتجة لهذه السياسة،حراك حزبي وجمعوي لمقاومة الاستبداد وسياسة الرئيس زين العابدين بن علي أدى ذلك إلى إندلاع انتفاضات في عدة مناطق تونسية ( المناجم والمتلوي ،وبنقردان والقصرين…) أنتهت بثورة الكرامة في جانفي 2011م..و هروب الرئيس السابق  زين العابدين بن علي وسقوط نظامه.

وما يمكن إستنتاجه فشل الدولة الوطنية القطرية التونسية والجمهورية الأولى من (1956-2010)م،في تأطير الشباب والاستثمارفي المستقبل ونتهت هذه المرحلة بتأسيس الجمهورية الثانية .

 الإرهاب أصبح شماعة لتخويف الدول والشعوب ولتصفية الحسابات بين بارونات الفساد والمافيا والمخابرات الأجنبية

كيف يمكن للشباب التونسي استعادة دوره حقيقي بعيدا عن التطرف والمساهمة في بناء تونس الجمهورية الثانية؟

عرفت البلاد التونسية الانسداد الديمقراطي والتصحر السياسي والثقافي والديني ،لأكثر مننصف قرن، وقد اندلعت عدة انتفاضات وانتهت بالثورة الكرامة  التونسية في جانفى2011، والتي جاءت كرد فعل على تراكمات تاريخية من الاستبداد والفساد والمحسوبية والإقصاء والتهميش، والمطالبة بالتنمية والديمقراطية والشغل والحوكمة الرشيدة ،بتأسيس الجمهورية الثانية،وبتعاقب عدة حكومات  (محمد الغنوشي والباجي والجبالي والعريضوجمعة والصيد والشاهد) ،ولإجهاض على المشروع الديمقراطي،اخترقت وحرفت الثورات والانتفاضات العربية من(2011-2012)،عن مسارها وأهدافها النبيلة وتمت عسكرتها،من قوى داخلية وخارجية،وتحويلها إلى دول فاشله والى فتن وحروب أهلية، ووجدت المخابرات العربية وخاصة الغربية والامريكية ضالتها،و التي اعتبرت الديمقراطية خطر أحمر،لايسمح بها ولايمكن تطبيقها على شعوب العربية والاسلامية.

وهي تعتبرها منطقة انقلابات عسكرية ( التأييد والمشاركة في انقلاب العسكري في كل من مصر وتركيا ) وتجريب الأسلحة والمنظومات التعليمية وسوق استهلاكية،وساندتها شبكات التواصل الاجتماعي والجمعيات المشبوهة، في البلاد التونسية-العربية.

وفي ظل فشل الدولة التونسية عن الاستجابة للمطالب الاجتماعية ،اتسع نطاقها وارتفعت مطالبها ،ووجدت ضلتها وتربة الخصبة لتطبيق أجندتها، بالتغرير بالشباب التونسي الذي كان ضحية منظومة سياسية وتعليمية واستبدادية، وتجنيده وإرساله  وتسفيره إلى ساحات القتال في سوريا والعراق وليبيا، للجهاد في الظاهر ولكن في الباطن لتطبيق مشاريع لانقة له ولاجمل،مثل مشروع الفوضة الخلاقة والشرق الأوسط الجديد لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة الدكتورة كونديزة رايس،وبعد تمرد تنظيم “القاعدة”،تأسست منظمة ارهابية جديدة “داعش”تحت اشراف مخابراتي ومنحها اسم “الدولة الاسلامية” لتشويه الاسلام والمسلمين وربطه بالارهاب والاجرام والسبي والنساء،ولوضع حد لانتشار الاسلام في اوروبا والعالم، وقد وصل أعداد التونسين  في المناطق الساخنة والحروب إلى أكثر من 6000 شاب وشابة .

  شهدت البلاد التونسية ميلاد نشاط مكثف للحركات السلفية الجهادية، ومن بينها تنظيم المتطرف “أنصار الشريعة”، الذي تغلغل في الأحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة وفي المناطق الداخلية المُهمّشة ،وأفلحت ونجحت في استقطاب عدد الشباب المعطل، الذي يشكو هشاشة نفسية واجتماعية ،وقدتوظيفه في أحداث العنف ولمعالجة والتصدي لهذه الظاهرة ،واتخذت الحكومة التونسية منذ سنة 2012 عدة قرارات وإجراءات، للحد من تسفير الشباب التونسي إلى ساحات القتال؛من قبيل منع الشباب التي تقل اعمارهم عن35 سنة، و كذلك الفتيات – الا بترخيص من الولي-من السفر إلى الخارج.

ولجل انجاز المصالحة مع الشباب التونسي وفتح صفحة جديدة..منح الدستور الجديد –الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية التأسيسية يوم 26جانفي 2014بأغلبية ثلثي- عدة امتيازات ومكتسبات وحقوق باعتبارهم أسس المجتمع وعماده، و مستقبل البلاد و أمانها وازدهارها.

في الاطار صرح وزيرالداخلية سابقا الهادي المجدوب لصحيفة الشرق الاوسط اللندية ان:”السلطات الأمنية منعت منذ 2012 أكثرمن 27 ألف امن الشبان التونسيين المشتبه بهم من السفر إلى مناطق النزاعات المسلحة في الخارج.”

وقدتمكنت أجهزة الأمن التونسيفي سنة 2016 منتفكيك 245 خلية تسفير للشباب إلىبؤر التوترخارج تونس،بينما كان العدد في حدود 100 خلية في سنة 2013،كما أوقف الأمن 517 عنصرامتورطا في هذه الخلايا.

وفي الاطار  نفسه للاسف فقد أصبح الإرهاب شماعة لتخويف الدول والشعوب ولتصفية الحسابات بين بارونات الفساد والمافيا والمخابرات الاجنبية في تونس،التى اتهمت باغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد الابراهمي لإجهاض على الثورة والمسار الديمقراطي (انظر في هذا الاطار تصريح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بان المخابرات الفرنسيىة قامت بعدة عمليات للحفاظ على المصالح الفرنسية) ،و كذلك الامر بشأن عملتي باردو وسوسة والكثير من العمليات الارهابية التى حدثت بتونس.

والتي تحتمل العديد من القراءات والتأويلات (تحالف تيار الثورة المضادة والارهاب)،حيث جاءت في مجملها كعمل منسق و ممنهج لتدمير الاقتصاد التونسي وخاصة القطاع السياحي، وبث الدعاية المغرضة لتشويه سمعة الشباب التونسي، واتهامه بالارهاب والاجرام.

وكذلك الفتاة التونسية التى اتهمت في شرفها من خلال الترويج الاعلامي لموضوع “جهاد النكاج” (لاوجود له في الكتابات الاسلامية )، ولضرب وتشويه المفهوم السامي للجهاد بكونه دفاع عن على كرامتها ضد الاعداء الخارجيين.

وقد سعت الحكومة التونسية لاستدراك الوضع خاص ما تعلق منه بالتكفل بمشكلة الشباب و معالجة المتطرف؛ عبر أليات الادماج لهذه الفئة.

واقترحت على مجلس الشعب التونسي قانون التوبة، لمعالجة قضية الارهاب وعودة التونسين من المناطق الساخنة.

والذي مازال يراوح مكانه في ظل رفضه من قبل بعض الجمعيات والنقابات ذات التوجه العلماني اليساري خاصة.وضمن هذا ننوه وندعو للاستفادة من تجارب الشقاء الجزائريين والمغاربة في بناء المصالحة الوطنية.

كيف ترى مستقبل الشباب التونسي في ظل التغييرات الداخلية والخارجية وماهي الحلول المقترحة ؟

نبدي الملاحظة لساسية بتعقد و تشبك أسباب ظاهرة التطرف لدى الشباب التونسي، و وجود أسباب داخلية وخارجية ساهمت في استفحال الظاهرة تطرفا وارهابا.

نقترح لتفكيك الظاهرة وتجاوزها دخل المجتمع التونسي مراجعة شاملة للمسير لسياسية والمجتمعي وتقييمها، و الاجتهاد في استخلاص النتائج والدروس الممكنة لإعداد استراتيجية ضمن قراءة إستشرافية لواقع المجتمع والراهن من حولنا ؛ثم الشروع في خريطة طريق واضحة للعمل،بتقديم الحلول المتاحة للعلاج ضمن رؤية علمية متكاملة لا مجزأة للظاهرة.

ونعتقد أن في مقدم خطوات ذلك العمل على إحياء القيم المجتمعية التونسية الأصيلة؛ تلك التي تقوم على نبذ العنف وتحيي قيم التسامح والتعايش المشترك بين مكوناته وفئاته وإعادة الاعتبار لمؤسسة جامعة الزيتونة والزوايا والطرق الصوفية لنشر الاسلام المعتدل المتصالح مع عصره  .

ثم الشروع في اعداد خطة وبرنامج لإصلاح المنظومة التربوية باعتماد معايير الجودة في المناهج والبرامج التعليمية،ومصالحتها مع الهوية مع ضمن المزاوجة بين الحداثة والأصالة العربية الإسلامية.

و اخيرا وليس آخرا العمل على تجذير الفكر  والممارسة الديمقراطية و مبدأ التداول السلمي على السلطة،  وعلى كفالة حقوق الإنسان، و اعتماد الحوكمة الرشيدة، وتعزيز تحقيق العدالة بين الجهات و دعم مكافحة الفساد و التخلص من المحسوبية والرشوة.

بالموازاة مع ذلك العمل على تشجيع الشباب على  الاندماج الاجتماعي و التفاعل مع مشكلته ايجابا من خلال انخراطه وتأطيره في العمل الجمعوي والنقابي و النشاط الحزبي السياسي..وتبني أليات الحوار معهم.

ولنا في تجربة المصالحة الجزائرية والمغربية خير حافز ودليل لتعزيز هذا التوجه لصالح شبابنا، و السعي خلق وتوفير مناصب الشغل ودفع مناخ الاستثمار لصالح الشباب ومنحهم الاولوية؛ سعيا لكسبهم و اندماجهم ومساهمتهم في بناء المستقبل الواعد لهم ولمجتمعهم.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق