آراء

المدارس الخاصة في مصر …

 ولعله يصيبك الحزن والعجب معاً، عندما تعرف بالفكرة الهشَة التي قامت على أساسها المدارس الخاصة في مصر .. ما الفكرة ؟!

يقوم مالك المدرسة الخاصة بعمل اتفاق بينه وبين المعلمين، وهذا الاتفاق غير صريح القول، وغير مكتوب، وهو أن يعمل المُدرس داخل مدرسته ، متقاضياً ثمنٍ بخس، مقابل أن يتعرف على طلاب المدرسة ، فيتسنى له أن يعطيهم دروساً خصوصية بمبالغ هائلة، وللمُعلم أن يرتضى – مضطرًا- بذلك الاتفاق، أو أن يرفضه، وإذا رفضه، يقبل به غيره من مئات الشباب المُعدمين!!

وأحياناً يلجأ المُعلم لابتزاز أولياء الأمور، فيحصل منهم على مبالغ مالية كبيرة، مقابل إعطاء دروس منزلية لأنجالهم، وربما يكون المُعلم مُرغمًا على فعل ذلك ، فهو لا يقدرأن يعيش بهذه القُريشنات الهزيلة التي ينتظرها شهرًا بعد شهر في هيئة راتب مدرسي!!  

ولكن.. أي معلم هذا، الذي يقدر أن يكفي متطلبات معيشته  بهذا الدخل القليل، حتى ولو كان أعزبًا !! فهي كارثة واقعة بالفعل، دفعت بالمعلم  المصري لركوب قطار الدروس الموسمية، حتى يجد في جيبه ، نهاية الشهر، ما  يقتات منه، وإلا فلا داعي لممارسة تلك المهنة التي ربما تقود أصحابها للفقر والاستدانة، أو سؤال الناس فيقرضونه أو يمنعونه!!

ولعلك علي غيرعلمٍ ، بأن بعض مُدراء المدارس الخاصة يأخذون نسبة مالية من إجمالي دخل المعلمين من دروسهم الخصوصية، غير الهدايا والعطايا التي تُمنح لهم كي يُسهلوا للسادة المعلمين إعطاء الدروس، وبالأخص الحصص المنزلية لأبناء الأثرياء، على اعتبار أنها صيد مُربح وسبوبة تغني عن غيرها بكثير!!

ولكم أن تضحكوا وتعلو ضحكاتكم ، من مزاعم وزراء التعليم المصري، المتناوبين على مناصبهم واحدًا وراء الآخر، عندما أخذتهم الحماسة الزائفة بإمكانية محاربة الدروس الخصوصية، رغم أنه لا مفر ولا استغناء عنها لمُعلم المدارس الخاصة، وإلا انهدمت الفكرة القائم عليها مشروع المدارس الخاصة، وبالتالي يفشل الاتفاق الموجود بين مُلاكها وبين مُعلميها البؤساء!!

فالمعلم يجمع  مبلغًا من المال، فيكنزه حتى مجيء الإجازة الصيفية ، فينفق منه على نفسه وأهله.. وكثيراً ما تتولد حالة قلق كبيرة داخل صدور صغار المعلمين مع نهاية كل عام دراسي، لأن الدروس الخصوصية تنقطع في فترة الإجازة الصيفية، بل أحيانًا يزداد الأمر سوءًا لدى بعض معلمي المدارس الخاصة، عندما يقوم أصحاب المدارس بتقسيم موظفيهم في فترة الصيف إلى ثلاثة فرق.. أما الفريق الأول فيتوقف عن العمل ويجلس كل منهم في بيته، دون تقاضي أي راتب حتى بداية العام الدراسي الجديد، وأما الفريق الثاني فهم مستمرون في حضورهم للمدرسة خلال الإجازة، ولكنهم يتقاضون نصف راتب فقط ، الذي يترواح غالبًا بين مائتين إلى ثلاثمائة جنية مصري، أما الفريق الثالث فيكون في الغالب من قُدامى موظفي المدرسة، ويتقاضون رواتبهم كاملةً دون إنتقاص .. مهزلة !!

ونحن نُخرج من دائرة حديثنا أباطرة الدروس الخصوصية، الذين صنعوا أسماءً لامعة، وذاع سيطهم وسيرتهم، وجمعوا الثروات والعقارات والسيارات الفارهة … فلا يوجد وجة مقارنه بين مُعلم في بداية وظيفته ، وقد ارتضى بالعمل في مدرسة خاصة ذات أنظمة صارمة ، وبين معلمين آخرين، هم أحسن حالًا من ذلك المُعلم المبتدئ ، المحروم من الإجازات السنوية، ومن أي امتيارات، بسبب أن المدرسة لم تبرم بينه وبينها عقد عمل رسمياً ، فلا تأمين اجتماعي أو صحي له، ومع ذلك فهو يتحمل المعاملة السيئة، وتحكم صاحب المدرسة الصارم ، ويبتسم طمعًا في إرضاء الوجه العبوث لإدارة المدرسة، وكثيرًا تزداد نبضات قلبة هلعًا وقلقًا إذا ما عاقب تلميذاً مشاغباً داخل الفصل ، فلربما يحضر ولي أمره فيطلب من مالك المدرسة أن ينهي خدمة ذلك المدرس – المغضوب عليه – ، فيتم فصله في الحال ..!!

فيا لها من ضعوط نفسية تصل لذروتها ، ومعاناة تتكاثر آفاتها لتصيب مُدرس المدارس الخاصة، الذي يستقطع من وقته وصحته وأنفاسه لأجل أن يحافظ علي باب رزقه ، لكي يظل مستوراً من وجع البطالة .. 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق