آراء

كارثة أخرى – الجوع يخترق العراق

بعد أن أكدت الدراسات والإحصاءات أنه على الرغم من أن الإنتاج الزراعي كان قد نجح على امتداد الخمسين عاما الماضية في مسايرة الزيادة السكانية والتفوق عليها، غير أن العالم مازال يضم أكثر من 80 مليون نسمة يعانون نقصا حادا في التغذية، بل أن الدراسات والأبحاث نفسها، قد أثارت المخاوف من الزيادة السكانية التي ستصل بالعالم إلى حوالي 9 مليارات نسمة بحلول العام 2030 مما يستلزم تحقيق مكاسب سريعة ومستدامة في الإنتاج من أجل زيادة الموارد الغذائية بأكثر من 75% دون تعريض الموارد الطبيعة لأي ضرر.
 إلا أن الملاحظة الجديرة بالانتباه هنا، والتي كشفها تقرير – تقييم حالة الأمن الغذائي – وهو إحدى الوثائق الرئيسية التي قدمت إلى المؤتمر، وقد توقفت عند الجزء الخاص بالدول العربية، فقد ذكر التقرير أنها حققت أعلى المعدلات العالمية في زيادة نصيب الفرد من الطاقة الغذائية بين الأعوام 1961 – 1991 ومنها العراق، وقد ذكر التقرير الذي أعدته “الفاو” أن متوسط نصيب الفرد العربي من السعرات الحرارية اليومية أزداد في المعدل 3200 – 3400 سعرة حرارية في بداية التسعينات، وتفوق هذه المعدلات معدلات زيادة نصيب الفرد الأوروبي من السعرات الحرارية الذي أرتفع خلال الفترة نفسها من 3227 إلى3468 ونصيب الفرد الأمريكي الذي أرتفع من 3250 – 3642 هنا تتداعى التساؤلات.. هل تستطيع البلدان العربية الاستمرار في زيادة نصيب الفرد لبلوغ المستوى الأوروبي أو الأمريكي، والقضاء نهائيا على العجز الغذائي الذي لا تزال تعاني منه بلدان وقطاعات من السكان في المنطقة العربية، وهل يفلح – العالم العربي – في تحقيق الأمن الغذائي…؟ وزوال صورة الخطر الماثل – كما هي الحال في العراق حاليا..؟ في محاولة للاقتراب من وجود أجوبة للكثير من التساؤلات، يمكن الإشارة بداية إلى أن العجز المتنامي للمنطقة العربية عن تغذية نفسها كما نرى ذلك العجز بوضوح في العراق المهدد بالجوع، وهو من أهم المشاكل التي تواجه البلاد والسكان إلى جانب مشكلات أخرى أمنية وسياسية واقتصادية وحجز مياه من قبل الدول المجاورة، هناك يتصاعد الخطر بين الاستهلاك وقلة الإنتاج المحلي، عكس صورة الانتعاش التي رافقت مرحلة السبعينات أثر الطفرة النفطية في التأميم، وعلى الرغم من تراخي أسعار النفط، وتناقص عوائد التصدير، وإغلاق بعض منافذ ضخ النفط وخاصة الأنبوب الذي يمرّ عبر سوريا، السنوات التي مثلت الحرب – عاصفة الصحراء – وما تبعها من حصار شديد مثلت في الواقع توسع فجوة الشحة بالإنتاج الزراعي، وبعد الحرب الأخيرة في العام 2003 دق ناقوس الخطر الرهيب، حيث واصلت الأزمة التوسع، قلة في الإنتاج مقابل زيادة في الطلب، تلك فجوة تراجع الغذاء في العراق والعديد من البلدان العربية، الآن تثبت التقارير الدولية للخبراء، أن العراق والكثير من الدول العربية الأخرى هي أقل مناطق العالم في صورة الاكتفاء الذاتي، هي تعيش على نتاج دول أخرى.

 ولهذا ثبتت في بداية هذه الدراسة عدد من التساؤلات على انعكاس الوضع في بلادنا بشكل خاص والدول العربية الأخرى على الاقتصاديات السياسية للبلدان المقصودة ومنها العراق، وهل ثمة منفذ للخلاص من تلك الكارثة القادمة بقوة…؟ هل سيتحسن الوضع أم هو مرشح للمزيد من التدهور المؤذي…؟ هل يمكن لحكومة مضطربة كوادرها مشلولة وأرضها تعاني من الجفاف وأنهارها تم حبس المياه عنها، أن تنجح من سد تلك الفجوة الرهيبة…؟ هل هناك خطط من قبل حكومة – المالكي – لسد إعصار الفجوة الغذائية…؟، هذه بعض التساؤلات التي يمكن طرحها عند البحث عن مخرج لمشكلة – كارثة الجوع وانحدار مستوى الأمن الغذائي وفشل خطط التنمية الزراعية ، الإخفاق الذي تم ظهوره مع بداية زوال النظام السابق ، وفي مرحلة تسعى للتقييم لابد من الإشارة بداية إلى أن وضع تعريف واضح ومحدد لما يسمى بالفجوة الغذائية التي ضربت العراق وشعبه بقوة وهي من نتائج الحرب ومن عمل الحكومة الضعيفة التي لا تتوفر لديها استراتيجية واضحة وعلمية عملية لقيادة البلاد، هي بشكل بسيط تمثل الفارق بين الإنتاج المحلي وصافي الواردات لمختلف السلع الغذائية، ومن ثم فأن التناقض القائم على أساس الطلب والعرض نجده واضحا في التقارير المحلية والعالمية التي ترصد المشكلة من جميع جوانبها، وثمة تقرير عام مثلا أعدته منظمة الصحة العالمية كان قد كشف عن مجموعة من المخاطر المتعلقة بالأمراض ونسبة الإصابة بالسرطان بسبب التلوث من الأسلحة التي استخدمت في الحرب الأخيرة وقبلها الحرب التي حصلت في العام 1991 وإلى جانبها ظهرت زيادة كبيرة في أمراض القلب والكولسترول والسكر والموت الفجائي وحالات الشلل والولادات المشوهة ، أن أحدث التقارير التي أطلعت عليها تشير إلى أن أرض العراق غير قادرة إطلاقا على توفير الغذاء لشعبها كما أن أغلبها ملوثة وخلاصة القول أن نتاجها يعتبر مختبريا ملوثا، كما أن فاتورة استيراد المواد الغذائية من الدول المجاورة تتصاعد بشكل مذهل لم تصل إليه في السنوات التي سبقت الحرب، وذلك يعود إلى غياب البرامج الزراعية وقلة المياه وتصحر الأرض وفقدان الغطاء النباتي وتدمير الأحزمة الخضراء وتحطيم قنوات الري والسدود وجفاف مصبات الأنهار إضافة إلى عدم الالتزام من قبل تركيا وسوريا بخطط واتفاقات الحصص المائية في نهري الفرات ودجلة، وفي ظل المستقبل الضبابي للزراعة في العراق، فمن المرجح أن طلب الاستيراد للمواد الغذائية سيستمر وبالتالي فأن الإيرادات ستتضخم وتواصل معدلاتها في الارتفاع، وهذا الوضع المشلول المزري سيكون عبئا جديدا على كاهل الشعب ولن يكون ثمة جدوى لزيادة التصدير في نفطه، حيث فقد الزراعة التي هي نفط دائم، وتحول الوطن من أرض السواد المنتجة للغلة الزراعية إلى أرض القحط واليباب والموت والخراب..

ولهذا فأن الدقة والهدف الوطني كلاهما يقتضي التحديد في مهاجمة حالة العطب الواضح ودون تردد، العراق يواجه عدة مشاكل تندفع نحو شعبه مثل الأعاصير القاسية، منها مشكلة الفجوة الغذائية وتراجع الاقتصاد الزراعي وتحول الأرض المنتجة إلى بوار، وشحة المياه في بلاد مابين النهرين الموصوفة عالميا وفي الكتب المقدسة، وهجرة الأيدي العاملة في القطاع الزراعي وهي تهرب من الموت البطيء.

 إلى جانب تزايد حجم الاستيراد الذي يتطلب التمويل وإهدار العملة الصعبة لتمويل حالات الاستيراد لسلة الغذاء، أن جميع المؤشرات تؤكد التراجع الكبير في مجال الإنتاج الزراعي وكذلك انعدام الخطط الكفيلة بمواجهة تلك الكارثة حيث سيستمر سيف الجوع يخترق المهج ، كما يرهن كرامة ابناء الشعب ويحولهم إلى طوابير متسولة تنتظر المساعدات الدولية وأقدامهم تقف فوق تراب الوطن ، ذلك هو الثمن الغالي جدا الذي أرادت دول العدوان ومعها الدول المجاورة لشعب العراق أن يدفعه لسنوات طويلة،حيث الخراب لا ينتهي والحصار يستمر والدول التي لم تطلق علينا الرصاص ولم تشارك في خطط الحرب والاحتلال تقطع علينا الماء وذلك يُعد أقسى الحروب وأصعب حالات انتظار الموت، في المثيولوجيا السومرية والبابلية والآشورية وكذلك في الكتب المقدسة، لا توجد أنهار خارج حدود أرض العراق وكذلك لا توجد بحار للنفط خارج تكوين تلك الأرض، ولكن الليالي السوداء بدأت تجرد تلك الأرض من خيراتها، ونحن في انتظار الآتي الرهيب……!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق