تحقيقات

السّكن في تونس :أزمة 23 بالمائة من التّونسيين

وكشف ناشطون أن أسباب الارتفاع المسجل بعد الثورة على مستوى أسعار مختلف العقارات تعود الى ارتفاع تكلفة “اليد العاملة المختصة” التي باتت تتجاوز 80 دينارا في اليوم وإلى ارتفاع أسعار مواد البناء بصفة عامة، بالإضافة إلى خضوع سوق العقارات التونسية للمضاربات بين “السماسرة ” وإلى الفوائض المتنامية في القطاع البنكي على القروض الخاصة بالسكن.

و يفسّر عدد من الخبراء في المجال العقاري ارتفاع أسعار العقارات في تونس بإرتفاع سعر الكراء والطّلب خاصة من الليبيين حيث بلغ سعر كراء الليلة الواحدة 80 دينار وأكثر.

سعر المتر المربع يتضاعف 5 مرّات

أظهرت دراسة ميدانية أجرتها وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية وبعض الهياكل الناشطة في مجال بيع وشراء العقارات أن سعر المتر المربع الواحد الجاهز لا يقل عن (2) ألفي دينار تونسي بعد الثورة وقد تضاعف 5 مرات إذ كان قبل سنة 2011 في حدود 400 دينار تونسي فحسب. 
وحسب الدليل العقاري التونسي، فإن سعر المتر المربع من الأراضي في تونس يتأرجح بين 1200 و3000 دينار تونسي، حيث تختلف هذه الأسعار من مدينة سكنية إلى أخرى، ففي الأحياء السكنية الراقية بكل من المنزه والنصر وحدائق قرطاج، يرتفع سعر المتر المربع من الأراضي إلى حدود 1900 دينار تونسي، أما وسط العاصمة وفي شارع محمد الخامس القريب من شارع بورقيبة، فإن السعر يتراوح بين 1800 و2500 دينار تونسي.

23 بالمائة لا يمتلكون مساكن

رغم أهمية القطاع العقاري في العالم خاصة وأنه وراء الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ سنة 2008 إلا أن المؤشرات والمعطيات السلبيّة المسجّلة تبرز أنّ السلطات التّونسيّة و النشطاء العقاريين ذوي العلاقة لم يولوا القدر اللاّزم من الإهتمام الذي يستوجبه هذا المجال الحيوي والحياتي الهامّ.

وتشير الإحصائيات الرسمية في تونس إلى أن نحو 23 بالمائة من التونسيين لا يملكون مساكن مما جعل عدد من المراقبون يعتبرون أن هذا الرقم يتطلب من سلطات الإشراف إطلاق صيحة فزع في مجال العقارات و البناء و بالقيام بإصلاحات فورية في هذا المجال.

30 بالمائة فقط قادرون على اقتناء مساكن

بيّنت استشارة قامت بها وزارة التجهيز أن الشريحة المؤهلة لشراء منزل (شعبي) تقتصر على 30 بالمائة فقط من الموظفين وأنّ 20 بالمائة من هذه الشريحة لن تستطيع الحصول على منزل يليق بها في حين تتقلص نسبة القادرين على توفير منزل الى 15 بالمائة اذا تعلّق الأمر بالبناء لعدم توفر الشروط المحددة من قبل البنك (كأجر دوري ووظيفة قارّة).

وتفيد المعطيات الخاصة بسنة 2014 أن معدّل سعر المتر مربع الواحد للمساكن الجاهزة في المدن الكبرى يبلغ 1200 دينار وأنّ قيمة مسكن يمسح 100 متر مربّع ويتّسع لأسرة تتكون من 4 أفراد تقدّر بحوالي 120 مليونا.

و اذا تمّ العمل بالإقصاء من الفوائد فإنه و للحصول على مسكن مماثل (دون اعتبار إلزامية توفير المستفيد ما قيمته 20 بالمائة من سعر المسكن) يتم دفع اقساطه على 20 سنة ليبلغ بذلك قيمة القسط حوالي 666 دينارا شهريا اذا تم دفعه على 15 سنة و 500 دينار اذا تم دفعه على 20 سنة.
وبالنّظر إلى أنّ قيمة القسط يجب ألاّ تتجاوز 40 بالمائة من الأجر الخام فإن الفرد الذي يمكن له الحصول على مسكن شعبي لا تتجاوز مساحته 100 متر مربع هو الذي يتعدى دخله الخام 1250 دينارا وهذه الفئة لا تتجاوز نسبتها 30 بالمائة من إجمالي الموظفين خاصة أن معدل الأجور في تونس على سبيل المثال في الوظيفة العمومية لا يتجاوز 700 دينار.

اللّيبيّون على الخطّ

من جهة أخرى يتنافس المواطن التونسي مع العائلات الأجنبية خاصة منها الليبية و الايطالية و الفرنسية ويعيشون على الإيجار، وهذا على الرغم من وجود ما لا يقل عن 426.200 شقة شاغرة لا يستغلها أصحابها، حيث تتواصل انتعاشة السياحة الليبية مع وجود حوالي آلاف المواطنين اللّيبيين المستقرّين بالأراضي التونسيّة منذ الثورة التونسية، وقد بات سعر إيجار غرفتين فقط في حدود 300 دينار تونسي في الأحياء الشعبية.

وقد أقدم عدد من التونسيين على بيع مساكنهم للمواطنين الليبيين يقومون على إثرها بكراء محلاّت سكنيّة أخرى مما تسبب بصفة مباشرة في ارتفاع أسعار العقارات المخصصة سواء للبيع أو للكراء خاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة و سوسة وصفاقس والجنوب التونسي.

37 بالمائة من البناء فوضوي

قال محمد صالح العرفاوي وزير التجهيز والبيئة والتهيئة الترابية خلال استضافته في برنامج إذاعي يوم 21 ماي 2015 إن الوزارة تعسى لحل مشاكل البناء الفوضوي و التلوث و غيرها من الملفات العالقة، وأنّها لم تتمكن بعد من حل أزمة السكن بالنّظر إلى أن 37 بالمائة من البناء في تونس فوضوي.
وأكد “العرفاوي” أن الوزارة ستقوم بمراجعة جذرية وكاملة لمنظومة السّكن، وذلك بتنظيم تنظيم حوار وطني حول السكن يضم كل المتدخلين من أجل إيجاد حلول جذريّة لهذه الظاهرة السلبيّة المتنامية.

عجز رغم الحوافز

يشار إلى أن الحكومة اتخذت ضمن قانون المالية لسنة 2016 إجراء جبائيا جديدا يهدف إلى تيسير اقتناء قروض سكن عن طريق تخفيض أعباء الفوائض عن الطرح الجبائي، يمكّن من يقتني قرضا سكنيا لأول مرة من الانتفاع بتخفيضات جبائية تطرح سنويا من الضريبة الموظفة على دخله السنوي شرط ألاّ يتجاوز 5 آلاف دينار غير أن هذا القرار لم يجد استحسانا كبيرا بسبب ضعف انعكاساته المالية وصعوبة فهمه.

وجدير بالذكر أيضا أنّه قبل عام ونصف كانت وزارة التجهيز والإسكان قد اعترفت باستفحال أزمة السّكن والعقارات في تونس حيث أرجعت الوزارة في مذكرة نشرتها وسائل إعلاميّة أسباب غلاء السكن والعقارات إلى قلة الأراضي المهيأة للبناء وارتفاع كلفتها بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة مواد البناء و اليد عاملة وكلفة عمليّات الربط بالشبكات ومصاريف عامة.

وجاء في المذكّرة أن منظومة توفير السكن تتركز على 3 متدخّلين بمعدل 50 ألف مسكن سنويا، 77 بالمائة من هذه المساكن يتم انجازها في إطار البناء الذاتي عن طريق العائلات نفسها و20 بالمائة يتم انجازها عن طريق الباعثين العقاريين الخواص المرخّص لهم، وبقية المساكن يتم انجازها عن طريق الباعثين العقاريين العموميين.

لكن رغم إدراك الوزارة للأزمة الكبيرة في هذا القطاع الحساس إلا أن الإجراءات المتخذة سواء على المدى القصير أو البعيد تبقى من قبيل الحلول النظرية صعبة التّطبيق على أرض الواقع، والمتمثلة بالخصوص في التدخّل العاجل عبر ما يعرف بـ “البرنامج الخصوصي للسكن الإجتماعي”، في حين تمّ الإكتفاء بإعداد دراسة استراتجية جديدة للسّكن تنجز على المدى المتوسط وفي المنظور البعيد، والتي يرى متابعون أنّها لن تفضّ، بشكل جذري، أزمة السكن التي أمست تطال كافة شرائح المجتمع التّونسي.

إفلاس وبطالة؟؟؟

من ناحية أخرى، أدّت أزمة السّكن إلى أزمة ماليّة كبيرة للعاملين في القطاع العقاري حيث هدّدت شركات عقاريّة عديدة بإعلان إفلاسها، الأمر الذي سيؤدّي إلى مزيد تفاقم بطالة اليد العاملة لا سيما في البناء والكهرباء، وهو ما أكّدته “الغرفة الوطنيّة للباعثين العقاريّين”، التي ذكر رئيسها في عديد المناسبات أنّ عدد العاملين في القطاع العقاري يقدّر بنحو 3 آلاف فرد، أكثر من 2200 منهم ينشطون بشكل منتظم.

وكان العجز المالي الذي طال الشركات النّاشطة في المجال العقاري قد تسبّب في انقطاع العديد من العاملين فيها عن النشاط، بسبب عدم قدرة المواطن على شراء المساكن الجاهزة، لذلك وجد القائمون على هذه الشركات أنفسهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم الماليّة بعد تعطّل أشغال المشاريع السكنيّة.
أرقـــام

– 77 بالمائة من العائلات التونسية تمتلك منازل.
– يوجد في الرصيد السكاني حوالي 3.3 ملايين مسكن مقابل 2.7 مليون أسرة. 
– بلغت نسبة المساكن التي تنجز في خارج الإطار المنظم وفي الاحياء العشوائية حوالي 37 المائة.
– 6 آلاف مسكن اجتماعي ستكون جاهزة في 2016 من بين 30 ألف مسكن تمّت برمجتها.

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق