المكلّف بالإعلام والإتّصال العمومي : معانات كبيرة
فأهل المهنة على اختلاف تصنيفاتهم الوظيفيّة وخاصّة منهم الأصناف الدنيا والمتوسّطة من ملحقين إعلاميين وكتبة صحفيين وملحقي إدارة ومتصرّفين،وحتّى المستشارين الصحفيين والمتصرفين المستشارين،هم جميعهم في سلّة واحدة يكدّون ويجتهدون ويعملون على مدار الساعة بالنّظر إلى خصوصيّة المهنة ومتطلّباتها والتي تستوجب الحضور ومزاولة العمل خارج المواقيت الإداريّة وكذا الأمر في أيام السبت والأحد وفي المنسابات الوطنيّة والدينيّة.
ما يبذله الإعلاميّون والإتصاليّون من جهود وما يقدّمونه من تضحيات في كلّ مواقع العمل وتحديدا في المؤسّسات التي لها حراك يتسم بالديمومة والكثافة على غرار رئاستي الحكومة والجمهوريّة وعدد من الوزارات والمنشآت لا يقابله أجرة أو حافز يكافؤه،وهذا أمر ينسحب على فئة واسعة من أهل القطاع الذي مازال يراوح مكانه،رغم عراقته وخصوصيّته،قطاع يفتقد إلى قانون أساسي ينظّم السلك تنظيما واضحا ودقيقا من شأنه أن يضبط المهامّ ويحدّد الوظائف.
المكلّف بالإعلام والإتّصال صلب عموم المؤسسات العموميّة يتحمل أعباء مسؤوليّات لو كلّفت بها الجبال لناءت بحملها،فهو منوط بمهامّ مكتبيّة وميدانيّة ثقيلة وضاغطة بالنظر إلى تكليفه بمهامّ تغطية النشاطات الرسميّة للمؤسسة ومواكبة تحرّكات متقلّد المسؤوليّة بالمؤسّسة بدءا برئيسي الجمهوريّة والحكومة مرورا بالوزراء وكتّاب الدولة والمستشارين وصولا إلى الولاّة والمعتمدين ورؤساء البلديّات،يعمل المكلّف بالإعلام والإتّصال ويكدّ ويجدّ ثمّ “زهيد” الأجر يتقاضاه ولا مقابل على ساعات العمل خارج مجرّة المنح والحوافز التي أقرّها القانون الإداري للوظائف الخصوصيّة التي تحتاج جهدا مضاعفا.
لا وجه للمقارنة بين رواتب المكلفين بالإعلام والإتصال في إدارات ومكاتب وخلايا الإتصال صلب المؤسسات الرسميّة إذا ما قارنّاها بالأجور المسندة في باقي المؤسسات ذات الصبغة العموميّة على غرار وكالة تونس افريقيا للأنباء ومؤسستي الإذاعة والتلفزة التّونسيتين فضلا عن مؤسسات عديدة لا داعي للإتيان على ذكرها أو حتّى التلميح إليها باعتبارها معروفة لدى عموم المشتغلين صلب القطاع.
مكاتب الإعلام والإتّصال العمومي كانت دوما مستهدفة والمسؤولون المتواترون على إدارتها جبلوا على التّقليل من شأن العاملين فيها متعمّدين تقزيم قدراتهم وطمس ما يحتكمون عليه من كفاءة وأهليّة،بما يعني أن الإعلامي والإتصالي العمومي “كيف لحمة الكرومة متّاكلة ومذمومة” والجزاء في نهاية المطاف يتأرجح بين التجاهل والتغييب والإستبعاد وركون قسري إلى خارج دائرة الإهتمام الرسمي.
و رغم الجهود المبذولة والتضحيات والمراكمات الشغليّة والغبن والضّيم المهني إلاّ أن المشتغلين بمكاتب الإعلام على اختلاف وظائفهم وخططهم وتصنيفاتهم الإداريّة مازالوا على العهد يقدّمون مصلحة البلاد على كلّ مصلحة مهما كبر حجمها ويغلّبون قيمة العمل ويرفعون راية الوطن عاليا ويعملون دون هوادة منطلقين في ذلك من ضمائرهم الحيّة وهمهم العالية وأخلاقيّاتهم التي لم تشبها شائبة رغم تغيّر الأحوال وتبدّلها.
العاملون بمكاتب الإعلام والإتّصال العمومي هم طاقات وكفاءات تربّت وترعرعت على التضحية والفعل ونكران الذات ولم تتحرّك مع طواسين الريح التي صالت وجالت وعاثت احتجاجا واضرابات بعد ثورة الحريّة والكرامة، لم تهزّهم المزايدات ولم تغرهم التجاذبات ولم تؤثّر فيهم شطحات الرّاقصين ولم يقدموا على أي تصرّف “غير مسؤول” يمكن أن يمسّ بقيمة وعراقة مؤسّساتهم ولم يؤتوا سلوكا يمكن أن ينعكس سلبا ،من قريب أو بعيد – على سير العمل وتقدّم الإنجاز.
المكلّف بالإعلام والإتّصال تجمعه بكل الأطراف علاقة ملؤها المهنيّة الصّرفة والإحترام والتقدير وفي طليعتهم الزّملاء الصحفيّون في شتّى وسائل الإعلام العمومي والخاصّ سيّان منها المكتوبة أو السمعيّة البصريّة أو الإلكترونيّة ،وربّما هذه العلاقة التفاعليّة الإيجابيّة لم ترق لبعض المزايدين من “النبّارة” الذين لا همّ لهم غير تقزيم أعمال النّاجحين والحرفيين والأذكياء فعملوا سكاكين أكاذيبهم وترهّاتهم وأراجيفهم ضدّ بعض من أهل المهنة حتّى كادوا يحوّلون الحقّ باطلا والحقيقة افتراءا وبهتانا.
المعيّنون في وظائف “مكلّف بمهمّة” صلب دوائر الإعلام العمومي أمر جلل ومن الأهميّة بمكان التي تجعل من طرحه ضرورة قصوى سيما أن أكثر من تسند إليه هذه التسمية لا يقدّم مجهودا غير الرّاتب الضخم والإستفادة بخدمات السيّارة الوظيفيّة ووصولات البنزين،فكثير من هؤلاء لا دراية لهم بالمجال ومتطلباته التي لا تتوفّر إلاّ لأهله الذين أمضوا فيها سنين طويلة،بمعنى أن “أهل مكّة أدرى بشعابها” وأنّه كان من الأجدى الإستئناس بخبرات الموظفين في مكاتب الإعلام الذين يتوفّرون على كلّ المعايير التي عبرها تنجز المهمّات وتحقّق المكاسب.
حريّ،اليوم،بالجهات الرسميّة ذات العلاقة، ونجدّد التأكيد على أن رئيس الحكومة السيّد الحبيب الصّيد هو أوّل المسؤولين المدعوّين إلى إعادة الإعتبار إلى المكلّفين بالإعلام والإتّصال العمومي سيما عبر إفراد السّلك بقانون أساسي ينظمه عوضا عن الأمر المؤرّخ في أكتوبر 2001 وأيضا التعجيل بتسوية المسارات الوظيفيّة المعطّلة واحتساب سنوات العمل المهدورة وإرساء سلّم عادل للأجور وضمان التساوي في قيمة “منحة الصحافة” وضمان أجر أيّام العمل خارج المواقيت الإداريّة وذلك بمراجعة هذه المسائل مقارنة بما يسند إلر الزملاء في المؤسسات ذات الصّلة على أن الترسيم وتسوية الوضعيّات المهمّشة والهامشيّة في طليعة المطالب المهنيّة والإجتماعيّة المشروعة للمشتغلين في القطاع.
ومن مصلحة بلادنا ومؤسّساتها وإعلامها إيلاء عناية حقيقيّة للمكلّف بالإعلام والإتصال والتّعامل بجدّية مع مشاغله ومطالبه وتطلّعاته والتفاعل معها بإيجابيّة تمكّن من إعادة الإعتبار له وتجنّبه كلّ أشكال التّهميش والتّجاهل والتسويف وتدرأ عنه الإغتراب الذي يعيشه خاصّة في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد وهي تخطو خطواتها الأولى في مسار البناء الديمقراطي.