البشير عبيد
البعض من “كتبة”هذا الزمن اللعين يمعن في تحبير بعض الصفحات اليتيمة الفاقدة للشروط الضرورية تقنيا و جماليا لتصير هذه “النصوص”قريبة من بهاء الكيان الأدبي -شعرا و سردا- هؤلاء يتملكهم عشق أسطوري للهذيان و تبعاً لهذا المسار تصير عملية مسك القلم و تحبير بعض الكلمات في غياب تام لخلفية فكرية و جمالية للكتابة كالذي يزرع الورد في المياه الآسنة…. الكتابة بهذا المعنى ٫ ليست في متناول الجميع ٫ و نقصد هنا العقول التي تنتج افكارا و مقاربات لافته نتيجة الجدل مع الواقع و إرهاصات المرحلة و ما تتطلبه من تفكير عقلاني عميق و منهج جدلي يدور رحاه في لفت الإنتباه للقضايا المصيرية و الدالة للمواجع و الإنكسارات و الخيبات و ما ينتظره المرء هنا و هناك ٫ للخروج من النفق المسدود وصولا إلى بر الأمان. في هذا السباق٫ لا و لن تستطيع أي انامل تتدعي انها تكتب ” نصوصا إبداعية” التحليق في سماء الخلق الفني ٫طالما انها لم تستوعب الشروط الموضوعية لبناء الكيان اللغوي و الأبعاد الجمالية و الآفلق المعرفية لنص ادبي ٫شعري أو سردي ٫ لافت و مبهر و متجاوز للمالوف….
ما لم تفهمه العقول البسيطة الغير المكتوية بجمرات الواقع و لم تدخل إلى حد اللحظة المناطق الموجعة في مسارات الفكر و المعرفة و الفلسفة و الإجتماع الإنساني ٫ انها خارج السيرورة التاريخية و ما تتطلبه حركتها الدؤوبة من سفر و ترحال بين ضفاف الوعي و الجدل الخلاق بين الواقع المادي بكل تخومه و تعبيراته و عقلانية التفكير المناهض للوثوقية و اليقينية و الباحث من الجهة الأخرى عن بوصلة لعشاق التنوير و إعطاء الفكر العاشق للمعنى و بهاء الأقاليم الحالمة بالتحرر و الإنعتاق و الوقوف على أرض صلبة بعيدا عن اوهام اصنام الفكر الوثوقي الشمولي الرافض للحوار و الجدل مع مخالفيه و معارضيه على مستويات العقيدة و الايديولوجيا و علاقة النقل بالعقل و التراث بالحداثة و الأصالة بالمعاصرة و تكسبر الأنساق من أجل الوصول إلى خطاب فكري عقلاني لا يتصادم تماما مع الهوية في ابعادها المفصلية و يتماهى في الضفة الأخرى مع التنوير و الحداثة في سياقاتها الفكرية و المعرفية المتصلة بالقيم الكونية الكبرى..الحرية و العدالة و المواطنة. كل هذه الأبعاد و المرتكزات التي الأسس الطبيعية لعملية الخلق و الإبداع الأدبي ٫
هل تستوعبها العقول التي تتدعي ان لها دورا محوريا في الكتابة و إنتاج نصوص لافتة ٫ و الحال ان انساق التفكير لدى هؤلاء لم تخرج من دائرة تفكير القطيع.
إن الكتابة الإبداعية على مدار عصور التاريخ ٫ لم تصل الى هذه المرتبة المبهرة بالادعاء و التطاوس و الغرق في مياه الأوهام ٫ بل كانت نتيجة طبيعية لعمل دؤوب قامت به عقول مستنيرة مناهضة للظلام بكل تعبيراته و تجلياته المتصلة بالفكر الوثوقي و اليقيني الرافض للحوار و الجدل.
ما ينتظره الآن ٫ المشهد الثقافي العربي في علاقة بثقافات امم أخرى من العالم الفسيح٫ هو العمل بشكل جدي و نوعي لانتاج إبداع ادبي يوازي ما انتجته العقول المبدعة لهذه الأمم ٫شرقا و غربا ٫جنوبا و شمالا… إن الأفكار المتسمة بالعمق المعرفي و الفلسفي “ليست في متناول انصاف المواهب و مثقفي العشق الخرافي للمال و للغنيمة و الجنس ٫ بل هي نتاج طبيعي لعقول مؤمنة بقضايا الإنسان في كل مكان على إختلاف الأديان و الحضارات و الأعراق.