كتاب العثمنة الجديدة: القطيعة في التاريخ الموازي بين العرب والأتراك
من خلال مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، ففي المقدمة معالجة نقدية لـ “إشكالية العثمنة الجديدة: المنهج ونقد الظاهرة” مع توضيح درجة الحدث التاريخي وقوته إزاء معالجة الظاهرة التاريخية، وسبب كتابة المؤلف التاريخ الموازي بين العرب والأتراك، وما حدث من قطيعة في نهايات ذلك التاريخ، فضلا عن تقديم مساهمة في مقاربة العرب والأتراك وأدوارهم النخبوية الحضارية في رسم أفكار مشتركة وبناء فهم ثنائي، أكان من خلال المواقف أم من خلال المؤتمرات أو البحوث أو اللقاءات أو المساهمات المشتركة.
فالكتاب محاولة لفهم ظاهرة جديدة تسمى “العثمنة الجديدة”، موجه علي نحو خاص إلي العرب والأتراك، ففيه مناقشة لـ “الظاهرة” التاريخية التي بدأت مجرد فكرة إصلاحية ثم تطورت إلي أدلجة سياسية في الإصلاحات، ثم أتخذت لها خريطة عمل في التنظيمات العثمانية، وتطورت من خلال مشروع سياسي في التاريخ العثماني الموازي باسم “المشروطية”، وصولا إلي أيديولوجيا تركية كمالية بعد وقوع القطيعة القومية. وجرى بعد مضي أعوام إحياء المشروع من خلال بناء علاقات تحالفية جديدة في الشرق الأوسط، حتى وصلت إلي طرح مشروع جديد باسم “العثمنة الجديدة” علي أيدي اإسلاميين السياسيين الجدد.
فقد خصص الكاتب فصله الأول لنقد نظرية العمق الاستراتيجي لرائد العثمنة الجديدة المفكر والسياسي التركي أحمد داود أوغلو، حيث أدرج الكاتب الانتقادات التي وجهت إلى المشروع بسبب تناقض السياسات التركية بين التوجه للغرب وبين محاولة تمثيل العالم الإسلامي.
في الفصل الثاني أنصب الاهتمام علي “مشروع إحياء باكس أو ثمانيكا” أو “السلام العثماني” من التكوين إلي القطيعة وحاولة الإحياء، الذي أطلقه محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية، وتحولت معه الدولة إلى إمبراطورية لها تقاليد راسخة ومستوعبة لرعاياها، مرورا بعصر التنظيمات ومطالب الإصلاح العربية والتركية، وانتهاء عند الكمالية والمواقف المتباينة منها. وتم في الفصل الثالث معالجة الأطور الانتقالية للإصلاحات العثمانية ومعها مفاهيم التنظيمات فيما يتعلق بكيفية تحول الأطور الانتقالية من العثمنة التاريخية إلي العثمنة الجديدة.
وجري في الفصل الرابع تحليل تاريخي لمسألة انبثاق مشروع المشروطية العثمانية وتداعاياتها علي العرب والأتراك الذين بحثوا بصورة مشتركة عن حياة دستورية وفق ما كان يجرى في أوروبا. فيما تم في الفصل الخامس معالجة الظاهرة الكمالية التركية بدءاً بالاحتواءات الفكرية والتداعيات التاريخية وما أحدثته في العالم الإسلامي من انقسام فكري وأيديولوجي.
ودرس في الفصل السادس طبيعة الإسلام السياسي التركي الحديث. بينما يدرس السابع مفهوم العثمنة الجديدة في تطبيقه المعاصر من خلال التساؤل عن مفهومها المعاصر وطبيعة التحول الاستراتيجي في تركيا المعاصرة، وكيف وظف الإسلام السياسي التركي العثمنة الجديدة. ويخصص الفصل الثامن لدراسة تجربة الإسلام السياسي في تركيا، ونقرأ فيه تحليلًا لتفكير أربكان إزاء تركيا والمستقبل، ومقارنةً بين الرفاهيين والإسلاميين والعلمانيين، ويتوقف الفصل عند تركيا في ما يخص متغيراتها بعد أربكان مع بروز ثلاثة زعماء جُدد كان اللامع بينهم أردوغان الذي عُدَّ رجل تركيا الجديد.
فمن خلال الدراسة المعمقة التي أجراها البروفسيور سيّار الجميل للدولة العثمانية، والمراحل التي مرت بها شعوب هذه الإمبراطورية، ومن خلال ما أمكن استعراضه في هذه القراءة؛ ومن متابعة التحولات التاريخية من مستوى شعب رعوي وجماعات مهاجرة إلى مستوى أرقى وأكثر استقراراً، وهو مصاف الدولة ومن ثم الإمبراطورية، والوقوف على حقيقة المنجزات التي حققها العنصر التركي في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. قد استخلص الكتاب نتائج مهمة في مقدمتها أن مشروع “العثمنة الجديدة” هو مجرد مشروع مؤقت ومرحلي، فهذا المشروع لا يتلاقى مع تقدم التاريخ ولا مع صيرورته في الزمن، إذ لا يمكن إحياء الماضي بطرائق معاصرة كالتي وجدت في الإسلام السياسي غايتها وأعراضها.
وإن تركيا ستبقى بكيانها السياسي في المنطقة إلي جانب باقي الكيانات السياسية في الإقليم الذي كان من تركة الإمبراطورية العثمانية. وبناء علي ذلك تبدو تركيا الآن ذات فاعلية في الشرق الأوسط كقوة سياسية وإقتصادية، وذات أسلوب في الحياة السياسية يختلف تماما عن أسلوب إيران مثلا، ما يعني أن علاقات تركيا بالعرب ستبقى أقوي من علاقات إيران بهم لأسباب جوهرية وعميقة تاريخياً، لكن محاولات الترويج لـ “العثمنة الجديدة” في القرن العشرين لم يكن لها نصيب من النجاح منذ عهود عدنان مندريس وتورغت أوزال ونجم الدين أربكان، وسيكون مصير محاولات أردوغان في القرن الواحد والعشرين هو نفسه عاجلاً أم آجلا كونها مبنية علي مبدأ عمق تركيا الاستراتيجي تحت راية “العثمنة الجديدة” إياها.