الإقتصاد وسلطة الإستهلاك
السماء تمطر صورا، ومشهد الهوائيات على أسطح البنايات في كل أرجاء العالم يعكس استسلام إنسان القرن الحادي والعشرين لهذا الإمطار واستزادته الطوعية منه ” و”قد شهد القرن التاسع عشر ظهور الأنظمة التقنية الأساسية للإتصال وتكريس مبدأ التبادل الحر، إذ يعتبر القرن الذي احتضن ميلاد رؤى وأفكارا تأسيسية ترى في الإتصال عامل إندماج وتواصل للمجتمعات الإنسانية بعد أن تمركز في البداية في مسألة الشبكات الفزيائية (المادية) وغدا أساسا لإيديولوجية التقدم وقد تم استيحاء التصورات الأولى “لعلم الإتصال” من الفكر الذي يرى في المجتمع كيانا عضويا (système organique)،أو مجموعة أعضاء تؤدي وظائف متكاملة محددة بدقة “و”كما يرى عالم الإجتماع الأمريكي والمؤرخ – بروس مازليش- الذي كان يدير برنامج الإنسانيات والعلوم الإجتماعية في مؤسسة (MIT) : أنه لم يعد بمقدورنا أن نفكر في الإنسان بمعزل عن الآلة “.
إن التطور التقني كان له تأثير عميق وجذري على بنية المجتمع وعلى الحياة الإجتماعية للأفراد كذلك.
لقد كان لتطور الإقتصاد، وكذلك تغير أسلوب الإنتاج تأثيره على المجتمع، حيث ساهم التطور الذي عرفته الآلة في التأثير على العلاقات الإجتماعية، حيث أن حلول الآلة والتقنية في الفضاء الإجتماعي كان له تأثير على الوظيفة الإجتماعية للعلاقات بين الأفراد وعلى منظومة القيم والإستهلاك.
وهو ما يؤكده ألفن تفلر(AlvinToffler)” لقد مرت البشرية حتى الآن بموجتين عظيمتين من التحول محت كل منها ثقافات وحضارات الأولى، وأحلت أساليب حياتية جديدة محلها لم يكن يتخيلها أحد من قبل وبالنسبة للموجة الأولى فهي الثورة الزراعية وقد استغرق إنجازها ألاف من السنين.
أما الموجة الثانية :-نشوء الثورة الصناعية: فقد استغرق إنجازها ثلاثمائة عام ومن المرجح أن تكتمل الموجة الثالثة خلال عدة عقود فقط حيث يسير التاريخ بتسارع كبير في عصرنا هذا. هذه الموجة ستؤثر في كل فرد منا، فالأسرة مجزأة والإقتصاد محطم والأنظمة السياسية مشلولة، والقيم تضرب بعرض الحائط وهي تتحدى علاقات القوى السابقة وامتيازات النخب المعرضة لخطر تقدم الأرضية التي ستتصارع عليها قوى المستقبل”.
غير أن هذه النزعة المفرطة في الإيمان بالعقلانية التقنية، والروح التقنية كمكون جوهري لها، كان في اتجاه سالب لثوابت الحداثة : حيث أن التقنية بدأت تشغل الحيز وتحطم حدود الفضاءات الإجتماعية، لقد تحولت إلى شيطان العصر، وإلهه في نفس الوقت.
لقد ساهمت التقنية في الرفع من الإنتاجية ومضاعفتها في المصنع ومن ظهور وسائل إنتاج جديدة وأدوات إتصال جديدة مما غير بشكل جذري طبيعة الحياة الإجتماعية للأفراد وكذلك نمط العلاقات فيما بينهم، لقد ضرب كل من مفهوم الزمان والمكان، لقد أضحى الزمان إنشتاينيا كما ذكر مافزيولي (Michel MAFFESOLO) في كتابه تأمل العالم، الصورة والأسلوب في الحياة الإجتماعية، وفي مقال للأستاذ أحمد كازن “يرى مارتين كودون بأن التحولات العالمية جعلت من السرعة نسقا في ارتباطها “باقتصاد السوق ” وأصبحت العولمة أعلى أشكال تطور الرأسمالية، وتمركز هذا التحول على اقتصاد التبادل في علاقة بشبكة التواصل المؤسسة على سرعة الضوء، مما أدى إلى نهاية الخارق والمثير، وأصبحت كل الأمكنة وسطا للتبادل وقابلة للسكن والإقامة وغير معزولة عن الكونية.
كما أن سلطة التقنية لم تبق آلية ومرئية كما كانت مع فاعلية العقل الحسابي الحداثي، بل هي اليوم عبارة عن حركة غير قابلة للحصر والعد والضبط”،على نفس الخط كان الضبط الإجتماعي يتزايد بحدة أكبر من خلال تأثيث الفضاء الاجتماعي بالمؤسساتية التي شكلت العالم الحديث، وفي نفس الوقت تزايد حدة البيروقراطية داخل المؤسسات الإجتماعية وتنامي اقتصاد السوق، وانتشار النظام الرأسمالي وسيطرته على الحياة الإجتماعية من خلال ظهور الشركات العابرة للقارات، وظهور الإحتكارات والكارتيلات والتراوستات التي تهيمن على النظام العالمي وتوجهه من خلال إيديولوجية القوة التي تعتمد اقتصاد الشبكات بتعبير مانويل كاستلزManuel Castells”ويرى كاستلز أن مجتمع المعلومات المعاصر يتميز بظهور “الشبكات “، واقتصاد الشبكات اقتصاد يعتمد على التواصل والترابط الناجمين عن ثورة الإتصالات العالمية، بيد أن الإقتصاد العالمي الجديد – كما كان يفكر كارل ماركس – لم يعد يقوم على الطبقة العاملة أو على إنتاج السلع المادية، بل إنه يقوم على التقدم في شبكات الإتصال والحوسبة التي أصبحت هي الأساس لتنظيم عملية الإنتاج”.
إنه عصر وسائل الإعلام القوة الجديدة أو القوة اللينة التي أظهرت قدرتها على التحكم والتوجيه خلال الحرب العالمية الثانية فيما سمي بالدعاية ” وقد أظهرت الحرب أن وسائل الإتصال قد أصبحت وسائل ضرورية في إدارة الرأي العام من طرف الحكومات سواء تعلق الأمر بالرأي الموجود في الدول الحليفة أو الدول المناوئة .
واعتبر لاسويل H.Laswel أن الدعاية تمثل الوسيلة الوحيدة الأكثر اقتصادية من العنف والفساد والتقنيات الأخرى من هذا النوع، وقد أصبح يطلق على هذا الأسلوب في الإتصال في بعض أدبيات السياسية الأمريكية اليوم بالقوة الناعمة”.
” إن معرفة العامل الحاسم في هذه التحولات السريعة التي أشار إليها ألفن توفلر والتي لا يمكن فهمها إلا في سياقها التاريخي الذي يقرن بين الحداثة وما بعد الحداثة،بل إن مفهوم الحداثة المتكون تدريجيا من خلال هذه الصيرورة التاريخية الطويلة يحمل في نفسه تعقد التقلبات التي أفرزتها وهي تعني في آن واحد واقعا تقنيا اقتصاديا وبناء قانونيا أساسيا وحالة نفسية ثقافية.
على المستوى التقني الإقتصادي: تحدد الحداثة نوع العلاقة مع الطبيعة الذي يحث عليه البحث المنظم للإنتاجية ويرى ريمون آرون R.Arronأن تمت تحديدا واحدا اليوم – وهو الشائع والبديهي – يتناول الحداثة بوصفها معرفة عملية محققة تساعد على تنظيم الإنتاج عقلانيا، وذلك في سبيل إنتاجية تبلغ حدها الأقصى، إن تحويل البيئة الطبيعية هو في الأساس تغيير شروط الحياة المتعاقبة من جيل إلى آخر، وفي العصر الحديث لم تعد الطبيعة رحم كل نظام إجتماعي وأخلاقي ولم تعد إنعكاسا، ولا مقياسا للإنسجام …
على المستوى القانوني السياسي: تكمن الحداثة في الفصل القائم بين دائرة الحياة العامة ودائرة الحياة الخاصة، وهذا الفصل بين الدائرة العامة (حيث استعمال العقل يجب أن يكون حرا دائما) والدائرة الخاصة (التي يمكن لإستعماله أن يكون محدودا جدا) في قلب الصيرورة التي يخرج عبرها الإنسان من قصوره المسؤول هو عنه، هذا الإنفصال يحدده كانط في الإجابة عن السؤال الآتي ماهو عصر الأنوار؟ وتكتمل هذه الصيرورة المزدوجة فيما يمكن تسميته بالحداثة التقنية أي من خلال طريقة تساعد الإنسان على مراجعة نفسه كفرد وعلى العمل على اكتساب هويته”.
غير أن التطور الذي عرفته تكنولوجيا وسائل الإتصال وتوظيفها في الإعلام الذي كان له دور حاسم في إحداث نقلة نوعية وتغيير في طبيعة المجتمع وتثويره لمنظومة القيم التي أسستها الحداثة وفي هذا الصدد ”يلاحظ جان بودريار أيضا أن العصر الحديث إذا ما قيس مع التوافق السحري والديني والرمزي للمجتمع التقليدي، يتميز بظهور الفرد بوعيه المستقل ونفسيته ونزعاته الشخصية ومصلحته الخاصة، وحتى بلا وعيه أكثر فأكثر شبكة وسائل الإعلام والمنظمات والمؤسسات وتجريده وخسارة هويته في العمل وفي وقت الفراغ، وفي عدم القدرة على التوصيل الذي يسعى إلى التعويض عنه نظام شخصنة كامل من خلال الموضوعات والإشارات”.
إن تطور العقلانية الأداتية نتيجة المغالاة في الوضعية منذ ثورة لافوازييه (Antoine-Laurent de Lavoisier) إلى حركة الإصلاح الديني وحركة إحياء العلوم وثورة كوبيرنيك (Nicolas Copernic ) وصولا إلى أينشتاين (Albert Einstein) ولوباتشوفسكي (Ivanovitch Lobatchevski)، وتأثر العلوم الإنسانية بإنجازات هاته الحقول الوضعية في دراستها للظواهر الطبيعية لم يِؤسس ولم ينتج إلا عقلا أداتيا، عقلا صارما وممنهجا، حسابيا، تقنيا وخبيرا.
إن الإيمان بقدرة وسائل الإعلام – كقوة جديدة – على التوجيه والتحكم والتأثير على الجمهور ممثلة في تقنيات وسائل الإعلام : كالتلفاز، الصحافة، الفضائيات، الإشهارات على الواجهات…
كان يتم في إطار مرحلة تاريخية . تسمى ما بعد الحداثة مع كل من ليوطار، أدرنو، هوركمايمر، هابرماس، ملفن دوفلو (Melvin DeFleur)”9، حيث تم تحديد ما بعد الحداثة في مجموعة من الخصائص، والقيم، والتي كان لوسائل الإعلام الدور الحاسم في تسريع وثيرة تحولها:
”
-النسبية الإجتماعية: لا توجد المعاني أو الأخلاقيات أو الحقيقة بشكل موضوعي في العالم، ولكن يكونها المجتمع، ولذلك لا يمتلك أحد الحقيقة المطلقة أو جوهر معرفة الأشياء، كما أن الإتفاق بين البشر أفضل من معرفة الحقيقة.
-الحتمية الثقافية: تشكل القوى الإجتماعية الأفراد بالكامل، وتحدد اللغة بشكل خاص ما الذي تفكر فيه، إذ أننا محبوسون في”سجن اللغة” وعلى ذلك فإن الهوية ليست فردية، ولكنها جماعية وإجتماعية، ولهذا لابد لإنسان ما بعد الحداثة من أن يتكيف مع الآخر المختلف عنه ثقافيا، من دون أن يكون ذلك مدعاة لتسيد نموذج ثقافي وحيد،على أن يحتفظ كلاهما في الوقت نفسه باختلافه في إطار التفاهم المشترك، وكذلك تستبعد ثقافة ما بعد الحداثة أن يكون هناك ما يطلق عليه ثقافة المركز لإيمانها بإيجابية الإختلاف بين البشر.
-رفض النزعة الإنسانية : لقد تم إساءة فهم قيم التقدم، والسيطرة على الطبيعة، وأولوية الإنسان، إلى حد فقدها، فليست هناك أممية إنسانية طالما تشكل كل ثقافة حققيقتها الخاصة، القيم الإنسانية الحداثية هي: أدوات للقهر والإستعباد والجريمة ضد الطبيعة والآخر الثقافي . لذلك لابد أن تقوي كل مجموعة نفسها لتؤكد على قيمها وتأخذ مكانها مع المجموعات الأخرى من دون مفاضلة.
-إنكار الميتافيزيقا والأديان: ترفض مرحلة ما بعد الحداثة وجود معايير علوية مفارقة للواقع الإنساني (Transadental) والتي تدعي لنفسها القدرة على الحكم والإختيار بين القيم المختلفة، كما أنه ليست هناك مطلقات، وحتى لو وجدت فإننا لا نستطيع الوصول إليها طالما نحن عبيد لثقافتنا ومسجونون في لغتنا .
-رفض الأنساق المغلقة: ترفض ثقافة ما بعد الحداثة الحكايات الكبرى أو الخطابات الكلية التي تقوم بعمليات توحيد مستمرة لما هو متعدد، كالخطابات الدينية والإشتراكية والتنوير، ويتطلع تيار ما بعد الحداثة إلى الخطابات المفتوحة، المرحة والطموحة، المؤسسة على تجارب شخصية لتكوين خطاب مؤلف من شظايا أو تكوين أيديولوجية التصدع التي تعمد إلى فض وحل ما هو كلي، وقد انعكس ذلك على رؤية الذات فيراها مفكرو ما بعد الحداثة متعددة، مفككة، و متشظية تسائل نفسها باستمرار.
-رفض العقلانية: ترى حركة ما بعد الحداثة أن العقلانية والنزوع إلى موضعة الحقيقة(أي جعلها موضوعية)هي مجرد أقنعة للقوى الإجتماعية، والقبول الإجتماعي يتحقق في إخفاء الذات في جماعة أكبر، وفي سياق هذا الرفض للعقلانية تحث حركة ما بعد الحداثة على إطلاق العنان للمشاعر الأمينة والغرائز الطبيعية والتأسيسية للذاتية وتطوير انفتاح ثوري على الوجود برفض تطبيق أي نظام على حياة الفرد.
-رفض كلية المعرفة: ترفض حركة ما بعد الحداثة مقولات الحداثة التي تؤكد على أن العلم هو السبيل الوحيد للمعرفة، أو أن العلم محايد، لأنها- من وجهة نظرهم- تغفل المحتوى السياقي للمعرفة، فالنظرية الإجتماعية تستمد قوتها الجبرية ومنطقها بسبب أنها تعد جزءا من التقاليد الإجتماعية والثقافية، وعلى ذلك فإن الحقائق والمعارف الجمالية والأخلاقية تستمد قوتها من ثقافة محددة، وعلى هذا فإن الفن والدين هما رافدان هامان للمعرفة من دون الإدعاء بأفضلية دين على آخر أو احتكار دين ما الحقيقة المطلقة .
-تفسير كل شيء من خلال القوة: كل المؤسسات الإنسانية والقيم الأخلاقية والإبداع ماهي إلا تعبيرات وأقنعة للإرادة الأولوية للقوة، ولايوجد يقين حقيقي إلا يقين الجسد، لأنه المكون الأولي والأساسي للقوة.
-نقد غير ثوري للنظم القائمة : يجب أن يختفي المجتمع الحداثي بعقلانيته ونظامه ونظرته الأحادية للحقيقة، ولابد من أن توضع التكنولوجيا الحديثة، خاصة في مجال الإتصال والإعلام، في خدمة تعددية الحقيقة بدلا من استخدامها في قهر الإنسان، ويتم ذلك بتفكيك خطاب أي سلطة دينية أو سياسية أو اجتماعية ولكن من دون عنف .
-إستحالة التحديث: :تركز حركة ما بعد الحداثة على اتساع الوعي البشري نتيجة لتكنولوجيا الإتصال بما لا يمكن معه تحديد المعرفة بشيء معين في نموذج صوري للحقيقة، ومن هنا أصبح الوعي عبارة عن معلومات، والتاريخ عبارة عن أحداث، وعلى كل جماعة أن تضفي المعنى الذي تريده على المعلومات والأحداث ”.
كما يضاف إلى هاته المصفوفة من القيم التي ميزت ما بعد الحداثة، أزمة علم الإجتماع، وكذا صعود الثقافة المضادة وانتشار النظام الرأسمالي على المستوى العالمي، ونهاية البدائل، لدى البعض في التاريخ*، وإعلان المجتمع ما بعد حداثي، المجتمع ما بعد الصناعي، المجتمع الإستهلاكي…لكن السؤال الذي يؤرقني هو كيف تم لهذا النظام الرأسمالي الإستمرار والإنتشار على المستوى العالمي رغم تغير طبيعة وبنية المجتمع ؟ كيف تم الإنتقال إلى مجتمع إستهلاكي ولا شيء غير الإستهلاك والمتعة؟
ساهمت أيديولوجية وسائل الإعلام في قتل المعنى وبالتالي قتل الواقع،وهو ما ساهم في تجدير وتعميق فكرة أساسية لدى الإنسان هي خلق الحاجة وإثارة الرغبة من أجل أن تصبح غريزة الصراع ضد الحقيقة هي الأهم وبالتالي ضد الواقع وضد المعنى وبالتالي تسهيل عملية الهيمنة.
لن يصبح الفكر ذا قيمة في ذاته بل من أجل ذاته يجب أن يصبح شيئا من الأشياء التي تباع وتشترى ويصبح الشاعر والمثقف والعالم دون قيمة في المجتمع لأن أيديولوجية قتل الواقع تقوم على فكرة خلق النجوم الذين يستطيعون توحيد الأشخاص حول الاستهلاك والأغاني والجنس وخدمة الاحتفالية و لا يستمد الفكر قيمته من تطابقه مع الحقيقة، بل مع تطابقه مع الراهن المؤدلج والمزيف والمضلل بتكنولوجيا الإفتراضي.
لقد شكلت اللحظة الديكارتية في سيرورة إنتاج المعنى التأسيس لمبحث الإنسان كذات واعية وحاملة لفعل واحد هو التفكير الصادر عن مطابقة المعنى بالوعي(الكوجيتو) غيرأن هذا المعنى المعطى للواقع ولإنتاج المعرفة وللمعرفة نفسها كان تصوره مند أرسطو إلى حدود ظهور العلوم الإنسانية تنتجه”حسب التصور الكلاسيكي لنظرية المعرفة”ذات فاعلة منبثقة،صانعة عالمها تفكر ولا يفكر لها خارجة عن الحجر والوصاية بالتعبير الكانطي، لكن هاته النرجسية ستوجه لها ثلات مطارق نقدية سيتحول فيها المعنى من مدى مطابقة الفكرة مع واقعها إلى مدى مفارقتها له وبالتالي فإن ما كان هامشيا مثل الجنون والجنس والشدود والرغبة واللاوعي أصبح له دور في إنتاج المعنى وبالتالي إنتاج تصورات وتمثلات حول الواقع.فالثورات العلمية الثلات كان لها تداعيات ووقع على الفكر الفلسفي والإجتماعي مما ساهم في تغيير النظرة للموضوع والدات والعالم،ونشير هنا إلى:
• ثورة كوبرنيك التي أكدت عجز العقل الملاحظ وإنخادعه من طرف الحواس فالمعنى لا يمكن إدراكه إلا بواسطة العودة للذات من أجل تحطيم أوهام القبيلة والمجتمع وإتباع قواعد التفكير العلمي الممنهج بل لابد من تأسيس منهج من أجل إدراك المعنى الحقيقي.
• ثورة داروين في النشوء والارتقاء فالمعنى الحقيقي ليس المطابق للواقع بل سيرورة المحايتة لهذا الواقع والبقاء للمعنى الأصلح الذي يستطيع تأطير وقائع المجتمع والإنسجام مع إشكالاته وقيمه ويتكيف معها ماذا سقطت الإنسانية في بربرية جديدة عوض أن ترتقي لوضع إنساني أصيل ؟