التيار العروبي لو تطور هو نواة تيار التحرر الوطني الديمقراطي التقدمي القادم
من خلال متابعة “السيرة الفكرية”و “السياسية” للمنصات المهاجمة نفهم أن المطلوب كان دائما حصر “الصراع الثقافي” في تونس بين فسطاطين يكون فيه “اكليروس الحداثة” و “عملاء فرانسا” و حركيو “الشرق الأوسط الجديد” و بقايا” نظام الارتهان و الاستبداد و الفساد” في مواجهة سردية بائسة للهوية يمثلها “تكفيريون موتورون” و “سلفويون رجعيون” أو “إسلام سياسي” ينحو باطراد الى القبول بكل “اكراهات” التحديث الاستعماري الجديد القائم على ضرب الهوية الموحدة لهذا الشعب و الأمة من أجل تفتيت عرقي و مذهبي و إيديولوجي يستهدف الحصانة و الصمود المعنوي طريقا للهيمنة الاقتصادية و فرض التطبيع مع الصهيونية.
هذا الاستقطاب المريح بين “تقدمية ديمقراطية حداثية مخترقة” و “هوية رجعية عاجزة” هو مطلوب كل من يحاول اليوم استهداف الفكرة العروبية التقدمية المستحضرة للعامل الثقافي و القومي في الصراع بين الشعوب و الأمم المضطهدة من ناحية و الإلحاق الاستعماري من ناحية أخرى .
مجريات التاريخ و الحاضر و المستقبل ستظل تؤكد باستمرار أن لا نهضة و لا تقدم و لا تحرر لهذه الأمة إلا بتشكل التيار الوطني الواسع الذي يتمسك بحقيقة أن ساكنة هذا الوطن الممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليح العربي أمة واحدة و إن تعددت فيها الأعراق و الأديان .
هذا التيار جسمه عروبة ناهضة و روحه إسلام حضاري مستنير إذ لا مستقبل إلا بالتحصين الدائم لهذه الوحدة الثقافية و القومية التي تتوفر كل مقوماتها تحقيقا للتنمية و امتلاكا للقوة و تحريرا للأرض و الإنسان .
الفكرة العروبية وحدها هي التي حفظت برغم الأخطاء و الانكسارات استمرار حلم التحرر الوطني و معاداة الاستعمار و الصهيونية و هي التي حصنت في الفترات العصيبة جسم الأمة من التفتت العرقي و المذهبي و الديني فاستمر العرب في احتضان دائم رغم الصعوبات لإخوتهم أكرادا و تركمانا و امازيغ.
و تعايش المسلمون و المسيحيون الشرقيون و ظل الكيان الغاصب جسما غريبا و مرفوضا في وطن عربي يمتلك كل مقومات النهوض.
مهاجمة القوميين تخفي رعبا من إمكانية دورهم القادم في تشكيل التيار الوطني الكبير الذي يوائم بين هوية محصنة و كونية متعددة و بين عروبة مفتوحة على التعدد و اسلام تنويري تقدمي ثوري فتتقدم عندها هذه الأمة لخلاصها و تقترح على الكون رسالتها الخالدة بعيدا عن فسطاط الإرهاب الدموي المتأسلم بفهم رجعي للدين أو فهم مؤمرك له و بعيدا عن فسطاط الخضوع و التبعية و الذوبان بزعم الحداثة و مجاراة قوى عالمية متنفذة لا تحترم الراكعين.
للتيار العروبي أخطاؤه الكثيرة فكريا و سياسيا و تنظيميا لكن عبد الناصر الفلاح العربي الأصيل و الكوني قبل التورط في مصاعب الدولة و أخطائها ظل أملا في ذاكرة أمة تستحضره كلما بحثت عن مشروع تأليفي لخلاصها و لم يصمد اليوم في مواجهة المؤامرة الكونية إلا نظام سليل الفكرة العروبية رغم أخطائه أو خطاياه ،ذاك ما يخيف “الكمبرادور الثقافي” من الفكرة العروبية فيستهدفون تيارها ليفرغ لهم وجه “الرجعيين”.