باجة: كنوزالتراث و فطرة الطبيعة
وتتنزل هذه الزيارة في إطار الخطّة الاتصالية للوكالة لإحياء المعالم والمواقع والمتاحف وتثمينها وإبراز ما تزخر به تونس من تراث حضاري يمتد على آلاف السنين عبر عديد الأنشطة الثقافية والفنية. لتمكين المواطنين من التعرف على المخزون الحضاري لكل المناطق ولتشجيعهم على الاقبال على المواقع الاثرية وللمحافظة على الذاكرة الوطنية .
تستور.. قطب واعد للسياحة الجبلية في تونس
كانت المحطة الاولى من الزيارة في جبال ومياه ومناظر طبيعية خلابة، اجتمعت كلها في مدينة تستور التونسية ، التى تنام على ربوة في حوض مجردة، شمالي البلاد. و تبعد حوالي 80 كيلومترًا عن العاصمة التونسية وتستمد شهرتها تقليديًا من تاريخها الأندلسي، حيث يعود تأسيسها إلى أكثر من 400 سنة إلى الوراء من قبل الأندلسيين المهاجرين. سميت في العهد الروماني بـ” تيشيلا “، وتعني “العشب الأخضر”، وتعود التسمية حسب المؤرخين إلى “تجمع المياه حول مدينة تستور وانتشار السهول فيها”., و هو ما مكنها من حظوة وشهرة، بشكل متسارع، ، فالمدينة التي طالما عرفت بتاريخها الأندلسي، جامعها الشهير وموسيقى “المالوف”، صارت وجهة لعشاق المغامرة في أعماق الجبال.
وتُعتبر هذه المدينة، أو القرية كما يحلو للبعض تسميتها، أفضل شاهد على استقرار المورسكيّين الأندلسيّين بتونس. فهناك ، بين الأزقّة الضّيّقة، يمكنكم أن تحسّوا بوجود أندلسيّ مؤثّر يتجلّى في النّمط الحضريّ للمدينة وفي الطّراز المعماريّ الغربيّ وفي الصّناعات التّقليديّة الّتي لا تزال حيّة إلى اليوم في تستور.
وتجدر الاشارة إلى أن مدينة تستور تتميز بالجمع بين التراث الاسلامي واليهودى والرومانى حيث تحمل صومعة الجامع الكبير وسط المدينة نجمة داوود اليهودية ويرتفع على اعمدة رومانية ويحمل ساعة تدور عكس الساعات العادية ، إضافة إلى دار الفنانة حبيبة مسيكة وهي وجهة لعدد كبير من السياح من مختلف أصقاع العالم.
ولا يفوتكم ان تختم الرحلة إلى تستور عادة بجولة تسوق في المدينة لاقتناء بعض المنتجات المميزة لها ، ومنها مواد غذائية تشتهر في المنطقة ” كالجبن التستوري ” جبنا محلّيّا مميّزا مستخرجا من حليب الشّاة، و “القوتة” والرمان …
دقة … درة المواقع الأثرية والثروة المعمارية
وكانت المحطة التالية من اليوم هي الموقع الأثري بدقّة أحد المعالم المسجّلة في قائمة التّراث العالميّ لليونسكو. و هو الموقع الرّومانيّ الأقلّ دمارا في تونس ، وانصحكم باصطحاب بعض الأطعمة الباردة قبل التّوجّه إليها. دقة حصّنتها الطبيعة قبل أن تحصّنها الأسوار، فرضت نفسها بموقعها وتضاريسها على حضارات رست سُفنها وتركت بصماتها على واجهة التاريخ، .
فعلى بعد 120 كلم غرب العاصمة تونس، وتمتد مدينة دقة التابعة لمعتمدية تبرسق من ولاية باجة على مساحة 70 هكتار فوق هضبة تحيط بها أشجار الزياتين وحقول القمح، شاهدة على عظم الحضارة التي سكنت المنطقة وساهمت في ازدهارها لقرون .
وهي عبارة عن أثار مدينة بأكملها ذات معالم تاريخية أثرية تتوسطها الساحة والسوق والممرات والحمامات الساخنة والمسرح الروماني والمنازل الخاصة والمعابد وأشهرها معبد «الكابتول» وضريح أحد أمراء نوميديا «اتيبان بن ابتيمتاح»…وهي بالتالي جزء من التراث الثقافي الوطني، إذ توجد فيها أطلال تمثل عقبا تاريخية وحضارات متعاقبة من نوميدية ، قرطاجنية ، بونية ، وندالية، بيزنطية ثم الفتح العربي الاسلامي…
لتظل دقة قبلة سياحية هامة و معتبرة وواحدة من اكبر المواقع الأثرية في العالم والدليل مسرحها الأثري الذي يتسع لأكثر من ثلاثة ألاف متفرج دون اعتبار مواردها الفلاحية المتأتية من أراضيها الخصبة…
جمال دقة لا ينتهي عند أثارها المنتشرة على كامل أرجائها، بل يمتدّ أيضا إلى غابات شجر الزيتون وحقول القمح وعيون المياه العذبة المتدفقة التي لا تنضب مما جعل هذه المدينة مركزا للخيرات منذ القدم فهي تقع في منطقة الشمال الغربي الأكثر خضرة في تونس الذي كان قديما يزود روما بالقمح.
وزادت هذه المناظر الطبيعية والسهول الممتدة والهضاب المرتفعة المدينة، جمالا على جمالها الذي استمدّته من أثارها ومعالمها التاريخ.