تحقيقات

صناعة الحلفاء والورق في القصرين

الشّركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق أهم قطب صناعي بالوسط الغربي للبلاد

أحدثت “الشّركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق” بالقصرين سنة 1980 باندماج الشركتين المكونتين للمركب الصناعي بالقصرين، وهي “الشركة الوطنية للسيليلوز” التي بعثت سنة 1956 لإنتاج “عجين السيليلوز” من نبتة الحلفاء المتواجدة بولاية القصرين والولايات المجاورة لها ، و”الشركة التّونسية لعجين الحلفاء والورق” التي تم إحداثها سنة 1968 لصنع ورق الكتابة والطّباعة.

وتعدّ الشّركة أهم قطب صناعي بالوسط الغربي للبلاد حيث يبلغ رأس مالها 21.1 مليون دينار تونسي، وهي تشغّل حاليا 800 عون بصفة قارة وتوفر مورد رزق لـ 6 آلاف عائلة بولايات القصرين ، قفصة ، سيدي بوزيد والقيروان . وتتمثل النشاطات الأساسية للشركة في جني زهاء 50 ألف طن سنويا من نبتة الحلفاء يتمّ منها إنتاج 14 ألف طن سنويا من عجين الحلفاء يتم تصديره كلّيا الى دول اوروبا ، آسيا والولايات المتحدة الأمريكية .

كما يتمّ بمعدّل سنوي إنتاج 6500 طن سنويا من مادّة “الصودا” و5500 طن من “الكلور الغاز” الذي يتم تحويله إلى “كلور سائل” و”حامض كلوريدريك” لتسديد حاجيات وحدة صنع العجين من هذه المواد وتسويق الكميات المتبقية الى السوق الداخلية . كما تنتج الشركة معدل 30 ألف طن سنويا من ورق الطّباعة والكتابة يتم تصدير ريعها تقريبا إلى البلدان العربية والافريقية .

وتتزوّد الشركة بكميات كبيرة من نبتة الحلفاء التي تتوزع على مساحة 35 ألف هكتار ممتدة على سهول ومرتفعات الوسط الغربي التونسي حيث تُستعمل هذه النبتة كمادة أولية لإنتاج عجينة الحلفاء المصنعة بالقصرين كما تُستعمل كحاجز بيولوجي لمقاومة التصحر، ويمتدّ موسم جني الحلفاء بين شهري سبتمبر ومارس من كل عام ويقع اقتناؤها من قبل الشّركة التي وزّعت 72 مركزا متواجدة في الولايات المعنية. وفي تلك المراكز التي يعبر عنها بــ “المناشر” التي توضع فيها كميات الحلفاء المجمعة ليسهل تجفيفها وربطها في حزم يتم شحنها ونقلها مباشرة إلى المصنع فينتج بمعالجتها العجين المستعمل في صنع ورق السجائر، ورق التّصفية والتّرشيح، الورق العازل والورق الخاص للاستعمالات الرفيعة.

حالة أعوان الشركة تزداد سوءا رغم المداخيل الماليّة الطائلة

شركة عجين الحلفاء والورق بالقصرين تعدّ من الشّركات الأقدم من حيث تاريخ المنشأ بالجهة والقطب الصناعي الأضخم من حيث اليد العاملة، ورغم أنها تدرّ على خزينة الدّولة أموالا طائلة فإنها تعيش حاليا صعوبات جمّة استنزفت طاقة العملة والمصنع على حد السواء، حيث بدأت حالة الشركة تتدهور وحالة مكوناتها تسوء يوما بعد لا سيما في ما يتعلّق بحالة المعدات أو الوضعيّات الاجتماعية للأعوان وظروف عملهم .

ودفع الوضع المتردي الذي صارت إليه الشّركة منذ ما قبل الثورة، النقابة الأساسية للشركة إلى الدعوة للدّخول في إضراب عن العمل بمختلف أشكاله ودرجاته، وقد أصدرت بيانا حدّدت فيه مطالبها مؤكّدة من خلاله أنّ تأجيل المطالب السّابقة للأعوان والأعمال كان من أجل الحفاظ على الاستقرار في انتظار “تدخّل الحكومة بعد مراجعة الأضرار والتهميش القديم” ، فضلا عن المطالبة بضرورة “تأهيل المؤسسة من حيث تجديد المعدات المعملية للشركة وتبني الدولة للديون المتخلدة بذمتها لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز، الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه ، اتصالات تونس وكذلك المزوّدين” .

وتتركّز أهمّ مطالب أعوان الشركة وعمّالها في “فتح وحدات تم غلقها سابقا في إطار صيغة الإفراق والمتمثلة في وحدة الكراسات ووحدة اللصاق المعاكس” ، والدعوة إلى “تصنيف الشركة ضمن المؤسسات الخطرة باعتبار إنتاجها لمواد كيمياوية” اضافة إلى مطلب التمتّع بـ “منحة الكلور” وتعميمها ، وأيضا ما يعرف بمنحة “الإلزام” ومنحة “الحليب” التي ما زالت تراوح مكانها في حدود 3 دنانير شهريّا في ، ولم يغفل البيان عن تضمن ضرورة “احتساب مدة العمل تحت عنوان التعاقد في الأقدمية العامة للعامل”.

ويعاني العملة من مشكل التغطية الاجتماعية حيث يطالبون بـ”ضمّ الخدمات إلى صندوق واحد وتكفل الشركة بدفع الفوارق إلى صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية والتي لا تقلّ قيمتها بالنسبة للعامل الواحد عن 60 دينارا شهريا”، وختم العملة مطالبهم بضرورة تمتيع الأعوان بالتقاعد المبكر وذلك بالنسبة للذين بلغوا من العمر خمسين عاما مع حصولهم على ثلاثين سنة من العمل الفعلي .

وبالعودة إلى تطوّر الأوضاع بالشركة، فإنّه بتاريخ 16 أكتوبر 2015 احتجّت مجموعة متكونة من 70 عاطلا عن العمل بجهة القصرين يطالبون بالتّشغيل صلب الشّركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق حيث ذكر المعتصمون أمام المصنع لوسائل الإعلام أنّهم حصلوا سنة 2013 على موافقة وزير الصناعة على قبولهم للعمل في الشّركة، وأنّ الوزير أرسل مكتوبا رسميّا في الغرض الى الرئيس المدير العام للشركة تمّ تضمينه قائمة في أسمائهم. واعتبر المعتصمون وهم من حاملي الشّهائد العليا أنه تم التّلاعب بملفاتهم اذ تمّ قبول أشخاص آخرين في مكانهم على حد قولهم مؤكدين أنهم لن يتنازلوا عن مطالبهم ولن يفكوا اعتصامهم الا بعد ايجاد حل لهم وانتدابهم للعمل بالشّركة.

وردّا على ذلك، وردت أخبار نشرتها الصحافة التّونسيّة تفيد بأنّ مصادر رسمية بالشّركة رفضت الافصاح عن هويتها نفت، نفيا قاطعا، مسألة التلاعب بملفات المجموعة المحتجة، وأضافت أن الشركة تعاني من عدة صعوبات فنية وتجارية من أهمها تقادم معداتها وتجهيزاتها وعدم قدرتها على مسايرة التّطور التّكنولوجي مما أثّر تأثيرا مباشرا على الانتاج وعلى جلب الاستثمارات، وهي تصريحات لم تقنع عديد الأطراف المعنيّة من الشّغالين وهياكلهم المهنيّة والنقابيّة وحتّى بعض الجمعيّات النّاشطة في إطار مكوّنات المجتمع المدني.

مقاضاة رؤساء مديرين عامّين بالشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق

تقدّمت “جمعية الأيادي البيض لمكافحة الفساد” سنة 2013 بشكاية جزائية الى وكالة الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس ضد الممثل القانوني لشركة المصرف العام للورق وعدد من الرؤساء المديرين العامين للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق وكل من سيكشف عنه البحث وذلك من أجل “تحقيق منفعة دون وجه حق والإضرار عمدا بالإدارة ومخالفة الإجراءات القانونية المعمول به”.

وذكرت الشّكاية أن المديرين العامين للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق “تعمدوا تمكين شركة المصرف العام للورق من انتاج الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق من بضاعة تمثلت في الورق مقابل دفع جزء ضئيل من كلفة البضاعة ويتم تقسيط باقي المبلغ على مدة معينة إلا أن المشتكى به لم يوفر باقي مستحقات الشركة”. وأضافت الشّكاية أنه “رغم عدم دفع الممثل القانوني لشركة المصرف العام للورق لدينه إلاّ انه تواصل تزويده بالورق الى أن أصبحت شركة المصرف مدينة بما جملته 3 مليون دينار الى حدود سنة 2004 وقد تواصل استنزاف الشركة الى أن أصبحت الشركة مدينة لفائدة المصرف بما جملته 13 مليون دينار”.
وأكدت الشّكاية أن “عملية النزيف تواصلت مع المدير العام الحالي وتواصل العمل مع المصرف وبنفس الطريقة الى جانب عدم اتخاذ اجراءات مناسبة لحماية الشركة الوطنية المذكورة”.

واعتبرت الجهة الشاكية أن “الأفعال المرتكبة تندرج في اطار تحقيق منفعة للنفس أو للغير بدون وجه حق والإضرار بالإدارة اضافة الى أن التستر عليها يعتبر جريمة يعاقب عليها الفصل 96 من المجلة الجزائية. وأكدت جمعية الأيادي البيض أنه “تورط عدد من الرؤساء والمديرين العامين وبعض الإداريين الذين لهم علاقة مباشرة بالاستخلاص في هذه التجاوزات”.

وأضافت الشّكاية المرفوعة أنه “تم التفطّن الى هذه التجاوزات والعمليات المشبوهة بتقارير الهيئة العامة للرقابة بالوزارة الأولى حيث تم اكتشاف الأمر ضمن التقرير الاول في مارس 2003 والثاني في نوفمبر 2004 والثالث في جوان 2006 والرابع في جوان “2009.

كما ذكرت الشكاية “انتفاع بعض المديرين العامّين بمكافآت وإقامات بالخارج على حساب الشّركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق”.

وقد تعهدت النيابة العمومية بالأبحاث في انتظار احالة التحقيقات على انظار القطب القضائي إذا ما تبين وجود لتجاوزات وحصول على منافع التي تعتبر الجهة الشّكاية أنّها السبب الرّئيسي في تدهور الوضع العامّ بالشّركة التي تعدّ أهمّ قطب صناعة بولاية القصرين وأيضا بكامل اقليم الوسط الغربي للبلاد.

الإنتدابات متواصلة رغم الصّعوبات نظرا للوضع الإجتماعي للأهالي

في تصريح صحفي نشره أحد المواقع الإلكترونيّة التّونسيّة بتاريخ، قدّم مسؤول بشركة عجين الحلفاء والورق بالقصرين لمحة عن طاقة استيعابها في الوقت الراهن لا سيما وأنها تمرّ بظروف “صعبة للغاية” حيث يتفاقم عجزها شهرا بعد شهر على حد تعبيره، ورغم ذلك يؤكّد أن برامج الانتدابات متواصلة نظرا للوضع الاجتماعي الذي يعيش عليه أهالي الجهة حيث سيتم انتداب 280 عونا بـ”مناشر الحلفاء” على حساب التنمية الجهوية و100 عون وعشرين تقنيا بالمصنع طبق مقاييس مضبوطة وشفافة ، وهذه المناظرات تترقب فقط الموافقة من الوزارة الأولى ليتم تنفيذها .

ولدى استفساره عن مستقبل الشركة خاصة وأنها تمر بظروف مالية صعبة، كشف المسؤول عن وجود استراتيجية تم ضبطها من قبل الإدارة العامة للشركة وتم طرحها على وزارة الصناعة للنظر فيها حيث تتضمن هذه الاستراتيجية استعادة الأنشطة المفقودة كوحدة الورق ووحدة إنتاج العجين ، إلى جانب دراسة للتّطهير المالي وأخرى لإعادة التأهيل .

أما بخصوص مطالب الأعوان التي نفذوا من أجلها الإضراب، ذكر المتدخّل جلسة تفاوضية ستلتئم قريبا بين الشّركة ووزارة الصّناعة ووزارة الشّؤون الاجتماعية والطّرف النّقابي للشركة ليقع خلالها تدارس المطالب المطروحة ولن تدّخر الشركة جهدا في الاستجابة للمطالب كلما كان الأمر ممكنا .

أعوان الشركة يعلقون آمالا كبيرة على هذه الجلسة التي ينتظر أن تثمر قرارات جذريّة تستجيب للمطالب المرفوعة بما يساهم في استئناف العمل ويحقّق الإنتعاشة المرتقبة للوضع العام بالمصنع وبالتّالي تحسين حالتهم الشغليّة والإجتماعيّة واستمرار ضمان مداخيل وافرة تستفيد منها المجموعة الوطنيّة.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق