تحقيقات

الصناعات التقليدية بالشمال الغربي :تراث أصيل…ورافد تنموي واعد

إلى جانب وجود حرف مختلفة كصناعة نماذج من المرجان و أقفاص العصافير في استغلال فني جميل للمواد الأولية الغابية بالجهة وهي الطين ، المرجان و خاصة بطبرقة، الخفاف ،الخشب ، الألياف النباتية ،مقاطع الرخام ،القصب ،الحجارة و السمار. و يعود بنا تاريخ هذه الصناعات و خاصة صناعة الخيزران الى سنة1958أما اطارها المكاني فهو قرية أطفال بلدة بني مطير.

و قد تحولت الى مدينة عين دراهم في 29 اكتوبر 1959 تحت اشراف “فيليس” المنشط الاسباني الذي باشر هذه الحرفة بالقرية و المدينة عموما ووجد في هذه الاخيرة ثلّة ممّن تحمّسوا لهذه الصناعة التي أخذت تترعرع بين أصابع هؤلاء الذين تحوّلوا من اطار التكوين الى طور الخلق و الابداع و كان موعدهم في غرّة ماي 1965 آنذاك مع الديوان القومي للصناعات التقليديّة الذي وجد فيهم الكفاءة التامة و استعدادهم للرقي بهذه الحرفة و تطويرها. و الخيزران الذي هو متواجد بكثرة في أدغال الغابات الاستوائية بقارات أمريكا و افريقيا و آسيا هو نوع من النبات ذي السيقان الطويلة و له ألوان مختلفة وهي على النحو التالي :

1- بنّي :و يسمّى “ملاكا “و يستعمل هذا النوع في صناعة الأثاث خاصة الخارجي اذ له غلاف يقيه حرارة الشمس و تأثير المطر.

2- الأصفر :و يسمّى”مانيل”و له نفس خاصيات البني مع اختلاف اللون .

3- الأبيض: و يسمّى “قصب الفلّين” وهو دون قشرة خارجية و يستعمل هذا النوع في صنع الأثاث المنزلي الداخلي و له أحجام متنوّعة تتراوح بين الميلّيمترين و الأربعين ملّيمترا .

ومن هذه المواد الاولية ما تمرّ عبر العراقة البخارية وهي جهاز يشتغل بالغاز و الماء الطبيعي ليعطي بخارا من شأنه أن يؤثّر في هذه المواد ولعلّ الهدف من هذا تليين عيدان الخيزران و إعطائها الأشكال المطلوبة بينما يقص جانب من هذه المواد الى أجزاء مختلفة الأحجام و ترصّف بمكان معيّن منتظرة دورها لتستعمل في مراحل لاحقة.

و يصوّب البعض من هذه العيدان بواسطة آلة تصويب لتصبح قابلة للاستعمال واذا تحوّلنا من الاطار التحضيري الى قسم الخلق و الابداع اكتشفنا البعض من هذه المنتوجات التي تمرّ بالعديد من المراحل لتصنع القطعة الواحدة …

فمن أثاث غرفة النّوم حيث تجد راحتك على آرائك قاعة الجلوس الى المكتبة العائلية وهي تحفة فنيّة جميلة .

ولكن هذه القطع لا يتمّ انجازها إلا بفضل الألياف الخيزرانيّة التي تلعب دورا هامّا في الشدّ و الربط المحكم لمختلف هذه القطع وهي لا تقتصر على مهمّة الربط فحسب بل انّها تتحوّل الى تحف منسوجة بعد أن توضع في حوض من الماء لمدّة عشرين دقيقة لتلين حتّى يحوّلها الحرفي المبدع كما يروق لرؤيته الجمالية الى نماذج وعيّنات مختلفة و مغرية وقد يهتدي هذا الحرفي المبدع الى الألوان المختلفة استجابة منه لرغبة الحرفاء فيطلي بريشته السحريّة ابداعاته ثمّ تعبأ لتقتحم هذه الصناعة الفريدة من نوعها السوق داخليّا و خارجيا.

هذه الحرف التقليدية تحظى بدعم الديوان الوطني للصناعات التقليديّة من خلال تكوينه للحرفيين الشبّان في مجال الخزف بمدينة عين دراهم و اسنادهم بطاقات مهنية تساعدهم على الانتصاب للحساب الخاص الى جانب تمكينهم من قروض المال المتداول .

إلى جانب تمويل عدد من الحرفيين أصحاب المشاريع الصغرى و الواعدة ضمن برنامج التنمية الحضرية المندمجة و تعاضد كل من جمعية حرفيات خمير بعين دراهم و البنك التونسي للتضامن و جمعية أصدقاء و أولياء المعاقين بفرنانة في هذا الاطار مجهودات الديوان و دعما لهؤلاء الحرفيين تمّ خلال سنة 1999 بعث مركز تكوين في اختصاص الألياف النباتية بفرنانة الى جانب تنظيم معارض جهوية ووطنية و المساهمة في المعارض الدولية للتعريف و ترويج منتوجات حرفيي الجهة .

و بالرغم ممّا تحتوي عليه هذه الربوع من مخزون طبيعي كبير و روافد سياحية و محميات طبيعيّة خلاّبة و جبال وسدود و بحيرات جبليّة و نباتات نادرة و عيون و مياه رقراقة و مناطق رطبة و مسالك صحيّة داخل الغابات الخضراء التي تستهوي السّواح و زائري المنطقة خاصة بثلوجها و شلاّلات مياهها المنحدرة من الجبال الشاهقة و الجميلة بمناظرها الطبيعيّة الخلاّبة و بالرغم من أنّ مدينة عين دراهم و التي تأسّست بلديتها في 28جوان 1892 هي من أكثر المناطق ببلادنا انتاجا للخفّاف الا أنّها لا تستفيد منه ،فمصانع الخفاف يتم تركيزها في أماكن اخرى و يحرم اهالي المنطقة من العديد من مواطن الشغل كما تفتقر المنطقة أيضا الى توظيف حقيقي لهذه الثروات في المجال السياحي البيئي لاستقطاب العديد من السياح و المولعين بحب الطبيعة و بالسياحة الخضراء حيث يعاني القطاع الحرفي من ضعف فرص التكوين و صعوبة ترويج المنتوج و التزوّد بالمواد الأوّليّة .

بالاضافة الى ضعف و محدودية الاستثمار فيه و عدم توفّر فضاءات ترويج و فضاءات عرض خصوصية للتعريف بالمنتوجات التقليدية باستثناء بعض القرى الحرفية بعين دراهم و فرنانة و لكن مردوديتها محدودة جدّا أمام تكالف الانتاج و الابتكار.

إلى جانب عدم هيكلة القطاع و خاصة في باب ترويج الانتاج لتنظاف الى كل هذا مشاكل أخرى تتعلّق خاصة بنشاط الدخلاء و عدم تواجد تعاضديات خدمات تؤمّن عمليّة التزوّد بالمواد الاوّلية و ترويج المنتوج ،إضافة الى الوضع الامني الاستثنائي ببلادنا و الذي ساهم في الحد منإقبال السياح و الوافدين على المنطقة.

و يبقى الحل الأمثل و البديل لاعادة حيوية القطاع و تطوير امكانيّاته حسب رأيي في وضع استراتيجيّة عمل و خطة جهويّة للنهوض بالصناعات و الابتكارات التقليديّة بالجهة من خلال تدعيم الاختصاصات المتوفّرة و خلق توازن في مستوى قاعدة الاختصاصات الحرفية و الفنية بالجهة مع الحرص على خلق امتداد لقطب الصناعات التقليدي عبر الخط السياحي جندوبة الشمالية – فرنانة – عين دراهم – طبرقة ،و ذلك بتكوين جيل جديد من الحرفيين الشبّان في مختلف الاختصاصات و انشاء منابت للعود الاصفر و الرافيا باعتبارها مادة تستعمل في صناعات الألياف النباتية بعين دراهم الى جانب اعادة احياء الانشطة الحرفية بالجهة و الآيلة للتلاشي و بعث فضاءات للعرض بالنزل و المغازات الكبرى بالجهة و دعوة البلديات لتخصيص فضاءات خاصة بترويج هذه المنتوجات التقليديّة بالاسواق الأسبوعية بأسعار مناسبة سعيا نحو خلق تقاليد لأسواق تقليديّة بالجهة مع ضرورة تطويع المنتوج التقليدي حتّى يستجيب لتطوّر الأسلوب الاستهلاكي.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق