الفكر

إستراتيجيات القراءة للمنجز الإبداعي

 إن تجليات القراءة ومشروعيتها لاتقف عند حد, فقد تمتد او تقصر بفعل الزمن، ومثلما يتقدم الانسان في عمره، ويفقد العديد من الخلايا او تندثر وتموت إلا انها تتجدد في الوقت ذاته، وفاعلية الإندثار في الذاكرة البشرية أحياناً تكون اكثر حدة، فالقراءة فعل من أفعال التراكم المعرفي، غير انها انشطها واكثرها حيوية وتدفع للديمومة.

فإعادة قراءة النصوص المسرحية والروائية والشعرية من النوع المتفرد والشامخ قبل سنوات ولنفترض قبل عشر سنوات من الان أو يزيد، والسؤال المطروح هنا، وما المتغير الذي حدث!؟ أهو في النص المقروء أم في القارئ ذاته، وما الدافع لإعادة ماتم قراءته سابقاً؟ ومانوع المتعة التي نستشفها .

وفي الصدد ذاته قد يذهب متلقي لعرض مسرحي لحكاية يعرفها، سواء أقرأها نصاً ام شاهدها عرضاً سابقاَ، والتأريخ حافل بهذا الموضوع فقد كانت مسرحية (اوديبوس ملكا) تقدم للجمهور الإغريقي والكل يعرف الأسطورة .

إلا ان ذلك لم يمنع الناس من الذهاب للمسرح ومشاهدة العرض وكلنا تقريباً نعرف مسرحية (هاملت) الا ان معرفتنا تكون دافعاً قوياً لمتابعة العرض والسؤال ماالجديد!؟ ان كانت هي ذات الحكاية التي نعرفها وخاصة انها قرأت بوصفها نصاً مدوناً، فالكاتب هو النص من حيث أحداثه وبنيته، شخصياته وحواره وأفكاره وأجوائه، وعلى الرغم من ذلك، تقرأ المسرحية ويستشهد بها فما هي المحركات الدافعة لإعادة القراءة لذات الحكاية المعروفة سلفاً!.

إن القراءة فعل المواجهة بين وعيين -وعي المؤلف ووعي المتلقي- وإذا كان وعي المؤلف يتسم بالثبات من خلال الرجوع للنص الذي أنجزه ضمن حقبة تأريخية، ومعالجة إنسانية وقيم فلسفية.

 وعلى الرغم مما تقدم فأنها تتسم بالثبات اما الوعي الخاص بالمتلقي فانه يتصف بالتغير ذلك ان فعل القراءة ودرجة الانتباه وصيغة التلقي فضلاً عن المتجدد في الخبرات والمتراكم من  المعارف، ومايستند اليه من مرجعيات شكلت ترسانة الوعي للمتلقي.

 لهذا قد يكون النص الدرامي او الروائي او الشعري هو ذاته إلا ان فاعلية القارئ تكمن في اكتشافه للنص من زوايا مختلفة ورؤية لعالم المنجز الادبي او الفني او الشعري قد تكون اكثر انفتاحاً وتوالدية في ضوء تفاعل تراكمية الخبرة من جانب والمنجز الادبي او الفني من جانب آخر ويسفر ذلك عن خلاصات تعبر عن درجة الوعي القابل للتغير، بالضد او بالإيجاب أي وعي كان مخالفاً ام متطابق مع استراتيجيات الافكار والمضامين التي يحملها القارئ. وبهذا الصدد يمكن القول: ان استراتيجيات الوعي لاتتسم بالثبات، انها متغيرة، بحسب قدرة الاختزال والتراكم ان الحياة تضفي الحيوية على الكائن البشري وتغذيه بمختلف المحفزات والدوافع وتحيطه بعالم متجدد.

 وكأن وضع الانسان، شبيها بوضع الزمن وجريانه المستمر غير ان الانسان محكوم بالتوقف عن الاستمرار –الموت- إلا ان ذلك لايقف حائلاً، فالفكر البشري دائم البحث في صولات الباحثين الدارسين والأدباء والفنانين بحثاً وتنقيباً وكشفاً للحقائق، ويشكل النشاط الجماعي للإنسان انعكاساً لدوره ولدورته في الحياة، لهذا فان استراتيجيات القراءة، تكون نتاجاً لمخاضٍ معرفي طويل، وتبرز بوصفها شكل من أشكال وعي القراءة الجمالي والنقدي. إن التحكم في هذين المحورين يكون اكثر من صعب، ذلك لأن المشاعر الجمالية ولحس النقدي يتغذى من روافد متعددة دائمة التدفق في ذات المتلقي وتنسكب في ترسانة المتلقي وتشده وتقويه، ومع ذلك فإن فعل التغير قائم.

 فكلما كان الوعي متصلباً ومتشدداً يكون فعل الازاحة فيه بطيئاً ويتطلب وقتاً، فالقراءة ضمن منظور قارئ منغلق على وعيه لايقبل التجديد يحاول التشبث بمعرفته، يتكيء حتى على مغالطات الوعي، فان ذلك القارئ يرتكب خطأ جسيماً بوصفه يرفض المتغير وان كان حقيقياً باعتبار كل الذي أدركه لايقبل الشك، وهكذا نوع من القراءة غير النهمين للمعرفة، سرعان مايتلاشون في الظلام، فالمتغير هو أس الثبات في الحياة، والحياة في ابسط تسمياتها: فعل التجدد.

والقراء كشف الخبيء والمستور، وتعرية للجمال والفهم المطموس في ثنايا الكلمة او اللون او الكتلة.

 لهذا فان الوعي ليس كاملاً، انما يتخذ اشكالاً متعددة، متغيرة وقد تكون في احيان اخرى متناقضة ومهما كان شكل الوعي فانه صيغة من صيغ التفاعل الحي للحياة، والانجازات المبدعة في  الفنون والآداب…

 إن جريان الوعي، واضمحلاله وتكوينه من جديد يقدم خلاصة كون الانسان يقول: ها أنذا احيا الحياة غير خائف من الافكار المتربصة ولا أضع قناعاً لمعرفة قد تدحض بفعل الجديد المغير او هكذا  ينبغي ان تكون عليها القراءة الناضجة، لتخلف استراتيجيات جديدة، تعبر عن الوعي الجديد للكون والعالم والحياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق