آراء

الثقافة وحصار السياسة

 نرى ذلك بوضوح في بقاع العالم التي تتعرض للظلام والقهر وطغيان القوة الغاشمة القسرية ، في ذلك الفضاء الموبوء نجد إشكالية كبيرة تحاصر حلقات الإبداع الإنساني تتمثل بوضوح في تداخل الخنادق حيث المواجهة والتعارض بين فضائي – السياسي والثقافي – الأمر الذي ينجم عنه مأزقا كبيرا ينعكس بشكل مباشر على الكاتب والمثقف والمتلقي وتكون من نتائجه مصادرة الحرية وتعطيل الدور الحضاري للإنسان.

 لقد تساءل الكثير من الكتاب والمفكرين والفلاسفة وبشكل مشروع ، هل السياسي هو الذي يحدد أو يطلق صور الحياة الجديدة أم الثقافي الذي تطالبه الضرورة بالتعارض مع السياسي فيفترض له التأصيل والتأسيس لكي لا يركب متن الشطط ولا يعربد بما يخلط القيم ويقلب الأرض التي شيد فوقها ميراث الثقافة منذ أن قيض للإنسان أن يخط كلمته الأولى في سومر ، عند النظر إلى الصورة القائمة الآن نجد أن السياسي يتواجه مع الثقافي على امتداد الأرض العربية.

فالمتغيرات السياسية الصاخبة وكذلك الضجيج المندفع منها يكاد يدفع بالثقافة إلى منزلق يغشي الأبصار ، لذا فإنه لابد من تحديد الأمور على نحو واضح وذلك يستوجب إسقاط جميع حالات الزيف التي تغلف الشعارات ويتوجب على الثقافة اعتماد المواجهة الحقيقية المنطلقة من فتح كشف حساب رصين مع الأنظمة يقود بالنتيجة إلى تعرية الهزائم والهزات السياسية وما خلفته المغامرات العسكرية الفاشلة التي حصلت في أجزاء عديدة من الوطن العربي .

 لابد للمجتمعات العربية أن تدرك أهمية اعتبار الاتجاه الثقافي هو المحور المحرك والأساس للتقدم بينما العجلة السياسية لن تقود إلا إلى مواقع الهدم والتدمير ولن تتيح لهامش الإبداع غير حيز ضيق وفي أحسن الأحوال تعمد إلى مصادرته.

 لقد سارت المواجهة الثقافية في أماكن عديدة من العالم في خط ثابت الصعود وأفرزت نتاجا مهد في بعض الدول لصنع الفرصة الواسعة للتغيير السياسي ورغم الهزات الكبيرة التي كانت تضع الشعوب والإنسانية بين فكي كماشة الأنظمة الديكتاتورية المتزمتة والموصوفة بالجهل السياسي إلا أن مسيرة الأبداع تواصلت وسجل التاريخ على مرّ العصور تلك المواجهات الكبيرة بين – العسكرتاريا والفكر – متمثلة في موقف – سقراط – الذي قتل مسموما والاتهام الباطل لأفلاطون بالزندقة والمطاردة الكبيرة لأبن خلدون ومصادرة مشروعه الإنساني الذي اهتم في تصوير حلقات التاريخ وفق منهج علمي واضح يشير إلى موقع الخلل السلطوي ، قبل الذين ورد ذكرهم الكثير ، وبعدهم الكثير ، ولا تتوفر المساحة هنا لسرد وقائع الذي حصل معهم ، لقد ظهر في حقب التاريخ المختلفة قادة وحكام حاولوا تمزيق الروح الإنسانية ومصادرة فعل الخير واستهدفت هجماتهم البربرية بشكل أساسي مصادر الإبداع فكانت شرور تلك الأنظمة تكمن في نجاح أهدافها التي تسعى لقلب الصورة الإجتماعية وتزييف التاريخ ، لذلك تحرك الطغيان كالإعصار المدمر لهدم كل تلك المنجزات التي أبدعها الإنسان في كل مراحل العصور المتعاقبة ، التاريخ وكذلك الذاكرة الإنسانية يتذكران جيدا أفعال الطغاة من أمثال – نيرون وجنكيز خان وهولاكو وهتلر وموسوليني وستالين وزمر احتلال العراق من الذين ارتكبوا نفس الجرائم بحق شعوبهم والبشرية في آن واحد .. وضمن المواجهة الفاعلة للثقافة في الوطن العربي مع أنظمة القمع وقف الأدباء والمفكرين الأحرار يقارعون تلك الاتجاهات السياسية اللاإنسانية ويقدمون تلك التضحيات السخية – شعراء – كتاب – فنانين – رجال بحث علمي معرفي- أماجد أحرار قالوا كلمتهم الجريئة بقوة – لا للفاشية العسكرية الحزبية ولا لتمزيق شبكة الثقافة وتدمير الحضارة – كما حدث في العراق – أفرادا يعتصرهم الفقر والخوف والمطاردة والمعاناة – لكنهم اختاروا لغة التحدي ، بينما نجد منظمات واتحادات تدعي قيادة الحركة الثقافية في الوطن العربي ، قد تحول بعضها أو اغلبها إلى أبواق إعلام رديء للعديد من تلك الأنظمة والدفاع عن حالات التردي والتخلف ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق