آراء

الفساد في تونس : بين الرشوة و الواسطة

غير أن الواقع المعاش و الجاري يدلي بعدم اتخاذ إجراءات جدية أو تفاعل حاسم و شفاف في هذا الشأن،بل إننا اليوم أصبحنا نشهد أوجها جديدة للفساد على مستوى اقتصادي كان أم مالي أو حتى اداري .

فلا يخفى على أحد أن النظام البائد قد خلف تركة من الفساد في مؤسسات الدولة و هياكلها ، غير أنه من غير المقبول أن نرى هذا الداء يتشعب و ينتشر في مختلف المجالات بعد ثورة زهقت فيها دماء بريئة في سبيل قيام العدل في البلاد .

فالتأخير الكبير و غير المبرر عن كشف ملفات القطاعات التي طالها الفساد منذ العهد السابق أصبح اليوم غير مقبول البتة.

من المأكد أنه لا يمكن أن ننكر محاولات محاربة الفساد في قطاعات ذات أهمية كبيرة منها قطاع الطاقة و الذي شهد بدورهزحملات شعبية صارمة من مختلف طبقات المجتمع المدني تنديدات بالتجاوزات و الخروقات التي طالته.

فقد تم سابقا احداث وزارة للحوكمة و مقاومة الفساد و اعلان استراتيجية وطنية لمحاربته ، الى جانب تركيز لجان خاصة بالفساد و نشاط التفقديات العامة في الموضوع.. لكن تبقى كل هذه الاجراءات مجرد محاولات لا نتعسف عليها إن قلنا أنها جاءت لاسكات الأفواه و تقليل النزاعات.

فهي تدابير غير مكتملة و نذكر على سبيل المثال تحويل ملفات الفساد للقضاء الذي تهاون في اتخاذ القرارات الجازمة في حق الفاسدين و ابعاد كل من تعلقت به شبهات أو قضايا رشوى أو فساد اداري أو مالي خاصة في الفترة الأولى ما بعد الثورة.

و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإستهانة بجزئيات من شأنها أن تهيء للفساد تربة يترعرع فيها أكثر فأكثر و يمد جذوره .

لو أردنا التركيز على الأسباب المباشرة و غير المباشرة للفساد لوجدنا منها بل و أولها عدم وجود رقابة فعلية على سير المؤسسات .

فنأخذ على سبيل الذكر لا الحصر القطاع التجاري، إذ لا يخفى على أحد الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها هذا القطاع في الاقتصاد الوطني على مستوى التصدير و التوريد و توفير العملة الصعبة و ما الى ذلك..غير أن المراقبة الفنية لهذا القطاع لحماية النسيج التجاري و الانتاجي و صحة المواطن كانت و لازالت تقريبا تحت سيطرة العائلة البائدة ، و هذه الرقابة تبقى فيها الكثير من الخور فنجد التوريد العشوائي و الاخلالات الهيكلية للقطاع دون تفاعل جدي من أصحاب القرار.

فحسب الجمعية التونسية لمكافحة الفساد ؛ تشهد تونس اليوم 90٪ كنسبة للغيابات في القطاع العام! من الأسباب كذلك ضعف الهياكل التنظيمية في المؤسسات و المنظمات و الوزارات.. و بالتالي عدم وجود هيكلة واضحة و قائمة الذات، مما يساهم في انتشار الرشاوي و الواسطة التي زادت خاصة ما بعد الثورة و بشكل رهيب يلفت الإنتباه.

وبذلك تفاقم البطالة و عجز الدولة على تحقيق التوازن بين سوق الشغل و اليد العاملة . علاوة على التجاوزات و الاخلالات من قبل اللوبيات الاقتصادية و السياسية و التي بدورها تكون شبكة معقدة تدير البلاد و تتحكم في اقتصادها المحلي.

من الضروري و مما لا نقاش فيه التسريع في فتح جميع ملفات الفساد و تفعيل الأجهزة المختصة التي لها الصلاحيات القانونية و الكفاءات اللازمة للمساهمة في الكشف عن مواطن الخلل. قد يتطلب استئصال هذا الوباء المتواجد في جل القطاعات سنوات أطول مما توقعنا من العمل الجاد لكن ذلك لا يعني التقاعص و التساهل في كل ما له علاقة قريبة أو بعيدة بالفساد. 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق