الكتاب الورقي والكتاب الرقمي: ما الحكاية ؟
نورالدين مزهود
كاهية مدير المطالعة العمومية
المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة
مقدمة
يُعدُّ الكتاب بمختلف أشكاله، عصارة جهد فكري لأقلام نهمت من العلم والمعرفة والتجارب ما مكنها من تزويد القارئ بما يُطوِّرُ ذاته ويبني شخصيته وسط عالم مليء بالمتغيرات المتسارعة، وقد شهد شكل الكتاب تطورا عبر العصور نتيجة سلسلة من الانجازات المستمرة والابتكارات التي أتقنها الإنسان في بحثه الدائم عن مصادر تَحَضُّرِهِ، حيث يعتبر الكتاب وعاء للمعلومات الذي يؤرخ لمجد الكتابة في بمختلف أشكالها التي نقلت البشرية من عصور التخلف والشفاهية ( أسلوب التواصل في العصور القديمة ) إلى عصور الكتابة وتفريعاتها المختلفة وصولا للكتابة الرقمية.
وانطلاقا من هذا فقد تَناولت العديد من الدراسات والبحوث موضوع هذين الشكلين من الكتب والتي أفضت إلى عدة آراء مختلفة منها ما يُفضل الكتاب الورقي على الكتاب الرقمي ومنها ما يرى العكس وفي هذه الورقة سنحاول دراسة الكتاب الورقي والكتاب الرقمي وخصائص كل منهما.
الكتاب الورقي
كان ولا يزال الكتاب المطبوع عمود صناعة الثقافة والوعي منذ اختراع غوتنبرغ للطابعة عام 1450 وهو يُمثل مجموعة من الأوراق المتصلة فيما بينها وبنهاية واحدة، مُضمنة في غلاف ويحمل في مضمونه جملة من المعلومات صاغها أصحابها وفقا لأفكار ونظريات معرفية معينة والتي تتعلق بمجالات الحياة المتنوعة وقد بدأ الكتاب بالظهور في بداية القرن الأول بعد الميلاد.
وكانت تتميز الكتب بسهولة قراءتها مقارنة بالمخطوطات وسهولة حفظها، بحلول عام 800 بعد الميلاد، احتوت المكتبات على نحو 500 كتاب.
و في عام 1045 اخترع الصيني “بيج شينق” طابعة متحركة مصنوعة من الخزف ، ويعود ازدهار الكتاب بفضل “يوهان غوتنبرغ ، الذي طور الطباعة في عام 1450 بعد الميلاد.
وقد تطورت الطباعة وأصبحت سريعة في عام 1800 بعد الميلاد، حيث كانت المطابع تنتج ألف صفحة في الساعة.
الكتاب الرقمي
ظهر الكتاب الرقمي كنتيجة للطفرة التكنولوجية المذهلة التي شملت جميع الميادين، حيث غيّرت التكنولوجيا كثيرا من ملامح حياتنا وعاداتنا، وتغيرت معها نظرتنا للأشياء وطريقة تعاملنا معها.
وامتدت يد التقنية إلى عالم النشر والكتب باستحداث وسائل جديدة للقراءة تعيد تشكيل علاقة القارئ بالكتاب. وقد جاء في موسوعة wikipédia أن” الكتاب الرقمي (بالإنجليزية: ebook أو e-book) ويعرف أيضاً بمسميات الكتاب الإلكتروني، وهو كتاب منشور وموزع بنسخة رقمية، متوفر على شكل ملفات يمكن تحميلها وتخزينها لقراءتها على شاشة (كمبيوتر شخصي، هاتف محمول، قارئ إلكتروني،جهاز لوحي بشاشة تعمل باللمس)، أو على شاشة برايل، أو جهاز قراءة الكتب الصوتية، أو المتصفح.”
وقد بين الدارسون أن ظهور الكتاب الرقمي بدأ عندما أنشأ مايكل هارت مشروع غوتنبرغ سنة 1971 بهدف رقمنة كمية كبيرة من الكتب وإنشاء مكتبة افتراضية تقدم مجموعة من المستندات الرقمية، وقد كانت الانترنت في تلك الفترة بطيئة مما أدى إلى محدودية الوصول للمعلومة.
ولكن سرعان ما تفادى العلماء هذا البطء منذ الثمانينات مما مكن من تسارع معدل نمو المنشورات الإلكترونية ، وتواصلت المبادرات في عالم الكتب الرقمية خلال العقد الأخير من القرن العشرين. وجاء هذا الشكل الجديد مكملا للنسخة المطبوعة (باعتباره يضم محتوى النسخة الورقية ويحولها إلى نسخة رقمية) بفضل المزايا التي يوفرها التنسيق الرقمي سواء من حيث الشكل أو المحتوى، وبالتالي فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليس انقلابا على ما سبق وإنما امتدادا له وتطورا تدريجيا ونقلة نوعية شاملة في تاريخ الإنسانية.
واعتمادا على ما تقدم فإن “القراءة الرقمية” هي النشاط الذي يتكون من قراءة النصوص المكتوبة (ربما تكون مصحوبة برسوم توضيحية ثابتة أو متحركة) عن طريق جهاز رقمي: جهاز كمبيوتر أو جهاز لوحي أو هاتف ذكي أو محطة معلومات أو غير ذلك على مدار العشرين عامًا الماضية،لقد كانت القراءة على الشاشة موضوعًا للبحث منذ بداية الحوسبة مما سمح بتطور استخدامات رقمية جديدة للقراءة
ايجابيات وسلبيات الكتاب الورقي.
تظل المطالعة من خلال تصفح الكتاب الورقي التقليدي، مركزة، وأكثر رصانة، ومن ثم فإنه لا يزال لها سحرها الخاص، وبالتالي فإنها تحتفظ بنكهتها الأصيلة في وجدان القارئ، إلا أنها كغيرها، لها ايجابيات وسلبيات
الإيجابيات
مكنت القراءة الالكترونية القارئ من حمل آلاف الكتب إلى أي مكان وفي أي زمان دون عناءفيمكن للقارئ تحميل كتب كثيرة على جهازه المحمول أو على الحاسب الشخصي في وقت وجيز بالإضافة إلى سهولة تصفحها.
تطور أجهزة القراءة الإلكترونية التي ارتقت إلى مستويات تقنية كبيرة، لا سيما من حيث وضوح الشاشات التي تعتمد على تقنية الحبر الإلكتروني، ونجاحها في تقديم تجربة قراءة مشابهة لقراءة الكتب المطبوعة.
سهولة توفر الكتاب الالكتروني عكس الكتاب الورقي الذي يتطلب منك أحيانا السفر من أجل اقتنائه، فالكتاب الالكتروني يمكن اقتنائه أو تحميله بسهولة.لذلك فلا داعي لحمل كتب متعددة أثناء السفر، فجهاز بسيط يمكنه حمل مكتبة كاملة! سواء كُنت متنقلًا أو مسافرًا أو ببساطة في المنزل، فإن الوصول إلى آلاف العناوين لم يكن بهذه السهولة من قبل.
سهولة التصفح والبحث في الكتب والموسوعات الالكترونية
حيث يمكن للقراء البحث في موسوعة أو قاموس معين بكتابة أول حرف من الكلمة التي يريد البحث فيها بخلاف القاموس الورقي الذي يتطلب جهد كبيرا في البحث
إمكانات كبيرة لعرض الصور والرسوم والمخططات بأبعادها وأحجامها المختلفة والتدخل فيها بالتصغير والتكبير والنقل أو الطلب
القراءة الالكترونية عبر الشاشة تمكن القارئ من التحكم في نوعية الأحرف وفي شكلها وحجمها وتحويلها إلى النمط الذي يريده.
استثمار شركات تقنية عملاقة في النشر الإلكتروني مثل “أمازون” و”آبل” و”غوغل”، وبهذا استقطبت عددا كبيرا من الناشرين والمؤلفين لتقديم باقات متنوعة من الكتب تناسب كل الأذواق والاهتمامات.يمكن أن يكون الكتاب الرقمي خيارًا حكيمًا اقتصاديًا مقارنة بالكتب الورقية.
تطور تطبيقات القراءة التي أصبحت بفضل الخدمات التكنولوجية امتدادا لأجهزة القراءة الإلكترونية، حيث يمكن متابعة قراءة الكتاب نفسه على تطبيق موجود في أكثر من منصة وأكثر من جهاز.
انفتاح أجهزة القراءة الإلكترونية على لغات عديدة، من بينها العربية، وهو ما جعل قاعدة النشر الإلكتروني تتوسع وتستقطب ناشرين ومؤلفين وقراء بشكل تصاعدي.
۷تعيد القراءة الإلكترونية تشكيل علاقة القارئ بالكتاب، إذ يستطيع اختيار الخط المناسب للقراءة وحجمه ومتابعة نسبة ما قرأه، وكم تستغرق قراءة الفصل الذي بين يديه، وكم بقي له من الوقت ليكمل الكتاب كله.ويمكن للقارئ أثناء تقليب الصفحات تظليل النصوص التي يرغب في الرجوع إليها لاحقا، وبمقدوره نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي أو تصديرها في ملف واحد كي يستفيد منها.
۷ تتيح هذه القراءة الوقوف على معنى أي كلمة بالاستعانة بقواميس مدمجة، أو معرفة ترجمتها، أو حتى توسيع معلومات القارئ عن الكلمة بالرجوع إلى موسوعات متعددة.
يمكن دمج عدة صفحات تُعالجُ نفس الموضوع في صفحة واحدة.
۷الكتب الإلكترونية تتكيف معك. هل تحتاج إلى خط أكبر؟ هذا ممكن. هل تريد تسليط الضوء على مقطع أو البحث عن تعريف؟ انها في متناول اليد. توفر أدوات مساعدة القراءة الرقمية تجربة قابلة للتخصيص، مما يجعل القراءة أكثر راحة وتفاعلية.
ادخار الكتب على المدى الطويل
توفير المساحة أو الحصول على مكتبة في حجم كتاب واحد
الشخص الذي أمامك لا يعرف ما تقرأه، رغم أنه يملك الغلاف في علبة كتاب.
الشراء الفوري من المنزل (ومن بعض المكتبات) تنزيل الكتاب فوري
القراءة الليلية (لمن لديهم إضاءة) أي القراءة دون إزعاج الآخرين
القراءة ممكنة بيد واحدة، أو أثناء تناول الطعام (لا يجوز فتح الكتاب ورقي)
التفاعل مع القارئ من خلال صوت الكتاب، الرسوم التوضيحية المتحركة وغيرها .
السلبيات
۷حسب آخر الدراسات التي أجريت، فإن القراءة عبر الشاشات تؤثر بشكل سلبي على المخ، بحيث تؤدي إلى تشتت التركيز، إذ أن التغيرات التي تحدثها القراءة عبر الانترنت على المخ مع تعدد الخيارات من صور وفيديوهات تتسبب في تشتت القارئ وبالتالي تؤثر على قدرته على القراءة بعمق.
۷في دراسة أخرى أجريت في جامعة “بنسلفانية” في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تم مقارنة القراء الذين يقرؤون كتبا الكترونية وقراء يقرؤون كتبا ورقية حيث تم التوصل إلى أن الذين يقرؤون النوع الأول من الكتب تضطرب أنماط النوم لديهم ويستيقظون متعبين أكثر من الذين يقرؤون الكتب الورقية.
۷القراءة الالكترونية عبر الشاشة تتسبب في الإجهاد للعينين وهذا ما أكده أخصائيي طب العيون مما يؤثر على الخلايا الشبكية ويسبب التنكس البقعي للنظر (مرض شبكي مسؤول عن الرؤية المركزية)كما يسبب العديد من المشكلات مثل الساد ( ضبابية في عدسة العين ) أو الماء الأبيض، ظهور الطفرة في العين، احمرار العين، غباش الرؤية، وحدوث جفاف شديد.
۷القراءة الالكترونية لا تساعد على قراءة الكتب الطويلة مثل الروايات والقصص.
۷الكتاب الإلكتروني لا يُمكن من التواصل المادي والحسي مع النص المكتوب
– القراءة الإلكترونية يمكن أن تتلف أو تصبح قديمة
-استحالة إعارة كتاب على وسيلة لم يتم شراؤها من أجلها
-لا يسمح بتزيين الغرفة وبدء محادثة مع صديق ينظر إلى كتبك
-الكثير من القرصنة التي لا تحترم حقوق المؤلفين حيث يتيح فرصة الولوج إلى النص الرقمي وتغيير محتواه مما يؤثر على مصداقية المعلومات .
-أسعار مرتفعة بشكل غير مفهوم مقارنة بالكتب الورقية على الرغم من وجود عدد أقل من الوسطاء
-سعر النسخة الرقمية في بعض الأحيان يكون أكثر تكلفة من النسخة الورقية
– الأجهزة الإلكترونية والهواتف والحواسيب تشتت الانتباه بسبب تنبيهات التطبيقات وإغراء القارئ بتصفح الإنترنت بشكل يتعذر عليه متابعة قراءة الكتب دون انقطاع.
الخاتمة
لاشك أن القراءة بمعنى مطالعة الكتبمفيدة في تحصيل المعلومة، وزيادة المعرفة، وتنمية عملية الفهم، وتوسيع الإدراك لدى القارئ،سواء كانت قراءة على سبيل الهواية، أو أنها تتم على سبيل الاحتراف، والمنهجية..
ومع تطور مجتمع المعلومات وظهور الثقافة الرقمية، وانتشار ثقافة الصورة، في الوسط التكنولوجي من خلال الواقع الافتراضي على نطاق واسع، وانغماس المتصفحين فيه بشكل تام باعتماد وسائل رقمية متنوعة الذي مكن من تطور شكل الكتاب من الورقي إلى الرقمي الشيء الذي دفع بالقُرَّاء باعتماد هذا الشكل الجديد من الوعاء المعلوماتي بما يتضمنه من ايجابيات وسلبيات.
وإذا كانت إغراءات الصورة، وعبارات الاشهار الجاهزة، لا تحتاج سوى كبسة زر للاستدعاء، ومن ثم الحضور الفوري أمام المتصفحين، ومستخدمي الإنترنت، ومن دون عناء يذكر، فإن القراءة الرقمية مع ذلك، تظل عرضة للتشويش أثناء التصفح، وذلك نتيجة تزاحم انسياب المعلومات، والصور، والمشاهد، بالانبثاق المفاجئ، مما يستهلك الكثير من وقت المستفيد، ويشتت انتباهه، ويضعف قدرته على التركيز في اللحظة، لهذا فإننا نرى أن القراءة في الكتاب الورقي، مهمة في صقل مهارات التعبير،مع كونها موهبة إبداعية، فالقراءة باعتماد الكتاب الورقي تنمي مهارة التواصل عبر الكتابة، والحديث، لأنها توسّعالملكات اللغوية للقارئ، وتزيدها ثراء ومعرفة ولذلك تظل المطالعة من خلال تصفح الكتاب الورقي التقليدي، مركزة، وأكثر رصانة، ومن ثم فإنه لا يزال لها سحرها الخاص، وبالتالي فإنها لاتزال تحتفظ بنكهتها الأصيلة في وجدان القارئ.
وعليه فإننا مدعوون كمهنيين بأن نعمل على فرض وجود الكتاب الورقي من خلال تكثيف أنشطة الترغيب في المطالعة واستقطاب أكثر عدد من الروادوإعداد برامج تُسوِّقٌ لقيمة المكتبة وبيان أهميتها في حياة الإنسان خاصة وأن وزارة الشؤون الثقافية تعمل على دعم الكتاب الورقي من خلال الشراءات السنوية لتنمية رصيد المكتبات العمومية ودعم النشر والورق والاستثمار فيه ودعم المبدعين، دون أن نتناسى هذا التطور التكنولوجي وذلك بحتمية الاستفادة منه بصفة عقلانية وذلك باستخدامها بما ينفع الناس.
المراجع
https://www.independentarabia.com/node/528116/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%87%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%91%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9