التعليمالثقافةدراسات وأبحاث

الجزء الأول من دراسة حوسبة المكتبات العمومية

نورالدين مزهود كاهية مدير المطالعةالعمومية المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة

مقدمة
لاشك إن التطور المستمر الذي يشهده العالم ساهم في التغيّر الجذري في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات، وتعتبر تكنولوجيا المعلومات العامل الرئيسي في هذا التطور حيث تُعتبر الحجر الأساسي في هذا التغيير الشامل مما سمح في بناء عالم جديد أساسه المعلومات والتكنولوجيا، لهذا سعت جميع القطاعات وكذاالمؤسسات إلى الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة في تسيير أعمالها من خلال الانصهار في العالم التقني الجديد وتبنِّ رؤى جديدة تُساعد وتسمح بالوصول إلى التطور المنشود وتحقيق الأهداف المرسومة بسهولة.
وتعتبر الإدارة عنصرا مهما داخل أي مؤسسة، لهذا كان لزاما على المؤسسات الاستعانة بتكنولوجيا المعلومات من خلال دمج هذه التقنيات في الإدارة بهدف تحسين طرق العمل، ومن هنا ظهرت الإدارة الإلكترونية التي تسعى للتطور والمنافسة والسرعة في الأداء وتقليص الجهود المبذولة من أتمتة جميع أنشطة المؤسسة بشكل تكاملي وفعال. وتُعد الحوسبة إحدى أهم النظم التي كانت نتاجا للتطورات التكنولوجية الحديثة والتحولات التي يعرفها العالم في مجال المعلومات التي غيرت طرق العمل مما أدى إلى تحويل العمليات الفنية داخل المكتبات ومراكز المعلومات من اليدوي التقليدي إلى التكنولوجي الرقمي . من هنا جاءت فكرة حوسبة المكتبات العمومية نظرا للتدفق الهائل للمعلومات وصعوبة السيطرة يدويا من حيث التنظيم وإتاحة المعلومة للرواد ، ومن خلال هذه الورقة سنحاول التطرق للحديث حول الحوسبة ومدى أهميتها في المكتبات العمومية.

مفهوم الحوسبة
الحوسبة في المجال التكنولوجي ترتبط بمعالجة وتحليل البيانات باستخدام الحواسيب، وتشمل تصميم وبناء أنظمة الأجهزة والبرامج لمجموعة واسعة من الأغراض؛ ومعالجة وتنظيم وإدارة أنواع مختلفة من المعلومات؛ وإجراء الدراسات العلمية باستخدام أجهزة الكمبيوتر؛ وجعل أنظمة الكمبيوتر تتصرف بذكاء. وتهدف الحوسبة إلى تحسين أداء وكفاءة معالجة البيانات، وتوفير الموارد الحاسوبية بشكل فعال، وتمكين التخزين والوصول السهل لكميات كبيرة من المعلومات.
وحوسبة المكتبات في مفهومها العام تعني استخدام الحواسيب وملحقاتها المادية والبرمجية في تنفيذ الخدمات المكتبية التي كانت تُنفَّذُ بالاعتماد على الوسائل والأدوات التقليدية، والهدف هو تهيئة الوسائل والأساليب والمعدات التي تسمح للقاعدة العريضة من المستفيدين في الوصول السريع والدقيق إلى المعلومات أو المصادر التي يبحثون عنها. فالمستفيد هو الهدف الذي تأسست من اجله المكتبات لذلك فهي تسعى دائما لتلبية حاجياته بكل الطرق، وكفاءة أي مكتبة تعتمد بالدرجة الأولى على قدرتها في اختزال عدد الحلقات أو الخطوات التي يتوجب على المستفيد المرور بها للحصول على المعلومة المطلوبة. والمكتبة المحوسبة هي التي حولت جملة عملياتها الفنية، والمتمثلة في السلسلة الوثائقية انطلاقا من التزويد إلى البث الانتقائي للملومات، من اليدوي التقليدي إلى الآلي الذي تعتمد فيه بصفة كلية على برمجيات الحاسوب مما يُمكن من سرعة الوصول للمعلومة بكل دقة.

نظرة تاريخية
الحوسبة اليوم ليست مجرد مصطلحًا، بل هي أساس التقدم والابتكار في مختلف جوانب حياتنا، في هذا العصر الحديث، إذ لا غنى عنها لتحقيق تقدم مستدام، إنها ليست فقط عبارة عن أجهزة آلية وبرمجيات، بل هي روح تحريك التكنولوجيا إلى الأمام، مما يجعلها عنصرًا حيويًا في حياتنا اليومية،وقد نشأت وتطورت وتغيرت لتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا من أجل تحسن عملياتنا اليومية وتفتح أُفقًا جديدًا للابتكار. لقد شهدت الحوسبة رحلة مثيرة عبر الزمن، إذ تشكلت وتطوّرت تباعًا لتصبح القوة الدافعة وراء التقدم التكنولوجي الحديث.
في البدايات، كانت الآلات الحاسوبية تأخذ أشكالًا ضخمة وكانت محدودة في قدرتها الحسابية، وقد شهدت تلك الفترةاستخدام طواحين الحساب البسيطة، حيث كانت الحوسبة محصورة في حدود الأجهزة الميكانيكية. في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت تظهر الأفكار الرئيسية للحوسبة الرقمية، في عام 1936، قدم عالم الرياضيات البريطاني آلانتورينج مفهوم الآلة القابلة للبرمجة، وهو مفهوم أساسي في تطور الحوسبة. في أوائل الأربعينيات، تم بناء الحاسوب الرقمي من ثمة، تطورت التكنولوجيا بسرعة، حيث شهدت الحوسبة طفرة كبيرة مع ظهور الحواسيب الشخصية في السبعينيات والثمانينيات. في العقود التالية، تطوّرت الحوسبة بشكل كبير، وظهرت تقنيات مثل الإنترنت مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية
في السبعينيات والثمانينيات، شهدت ثورة الحوسبة الشخصية ظهور الحواسيب المنزلية، مما أدى إلى
توسع استخدام التكنولوجيا في المجتمع ، ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحت الحواسيب المحمولة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. في بداية فترة الحوسبة المحمولة، كانت الأجهزة ثقيلة وكبيرة الحجم،
. ومع مرور الوقت، شهدت تطورًا كبيرًا في الحجم والوزن، مما جعلها أكثر سهولة في الاستخدام وأكثر قابلية للحمل. ظهرت أجهزة اللابتوب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، وكلها تعتمد على التكنولوجيا
واليوم، يمكننا الوصول إلى البيانات والمعلومات في أي وقت ومكان باستخدام هذه الأجهزة الذكية. تسمح لنا الحواسيب المحمولة بإجراء العديد من المهام مثل التصفح عبر الإنترنت، والعمل على الوثائق، والتواصل مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها جزءًا حيويًا من حياتنا اليومية وأداة أساسية لتحقيق التنقل والفعالية في العمل والترفيه

مستويات الحوسبة

المكتبات المحوسبة
التحول من الشكل التقليدي والعمل اليدوي الذي يُنجز في المكتبات تدريجيا، باتجاه استخدام الحواسيب، وقد يكون هذا التحول جزئياً، أو كليا في أعمال المكتبية. على سبيل المثال، تحويل الفهرس اليدوي بمختلف أشكاله إلى فهرس آلي أو تحويل استخدام نظام محوسب للإعارة بدلا من النظام اليدوي سيُمكن من تطوير خدمات المكتبة من حيث السرعة والدقة، وهكذا بالنسبة للخدمات والإجراءات الأخرى.

لكن السمة الأساسية لهذا المستوى هي في حفاظه على الهدف العام من الخدمة وإجراءات تقديمها، بمعنى إن جوهر الاختلاف، يكمن في آلية التنفيذ بين الحاسوب والعمل اليدوي، لكن المشكلة هنا ترتبط في الحاجة المستمرة للعمل اليدوي، كونه ركيزة التحول إلى العمل المحوسب، فبناء نظام الفهرس الآلي يقوم على أساس وجود فهرس ورقي يدوي، الذي تحتفظ به معظم المكتبات، إلى جانب الفهرس الآلي، وهذا الحال ينطبق على نظام الإعارة وغيرها من خدمات المكتبة الأخرى، التي يتم حوسبتها.وعليه يمكن القول إن ناتج العمل اليدوي(المخرجات)، تكون ذاتها مدخلات النظام المحوسب في هذا المستوى، أو يكون النظام المحوسب في المكتبات مكملا للنظام اليدوي فيها، لذا فان الفهرس الآلي(المحوسب) يهدف إلى تهيئة الوسائل والأساليب والمعدات، التي تسمح لقاعدة عريضة من المستفيدين بالوصول السريع والدقيق إلى المعلومات أو مصادرها لكن معطياته تؤدي إلى نتيجة مماثلة لتلك التي نحصل عليها، باستخدام الفهرس البطاقي وهي الوصول إلى المصدر الورقي مع الأخذ بعين الاعتبار فارق الجهد والسرعة والدقة.

المكتبات الرقمية
يختلف مفهوم المكتبات الرقمية عن مفهوم المكتبات المحوسبة في علاقة الأخير بالنظام التقليدي،
فالنظام الرقمي يتكامل، عندما يتم الاستغناء نهائيا عن الطرائق اليدوية في العمل المكتبي إلى الطرائق المحوسبة، بحيث يكون الحاسوب وكل ما يتصل به، من معدات ووسائط خزن رقمية، أدوات لتنفيذ العمل في مراحله المختلفة، ويبقى الجهد البشري مسؤول عن تشغيل وتوجيه هذه الأدوات لتنفيذ الوظائف والأعمال وتقديم الخدمات. وأهم ما يميز هذا النوع من المكتبات، هو الطبيعة الرقمية لمصادر المعلومات، التي كانت قد حافظت على شكلها الورقي في المكتبات المحوسبة. والمستفيد هنا يتعامل بشكل مباشر مع معطيات رقمية، فعندما يستخدم المستفيد الفهرس الآلي في المكتبات المحوسبة، تكون غايته الحصول على معلومات، تمكنه من الوصول السريع والدقيق إلى مصدر أو مصادر معلومات موجودة بشكلها الورقي. لكن الفهرس الآلي في المكتبات الرقمية يُمَكن المستفيد من الوصول المباشر إلى مصادر المعلومات المنشورة إلكترونيا،ً بغض النظر عن وجود أو عدم وجود نسخة ورقية لها.

المكتبات الافتراضية
المكتبة الافتراضية هي بيئة مرئية ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع بالصورة والصوت واللمس.

حيث يتمكن المستفيد باستخدام المعدات الخاصة التي تتكون من جهاز العرض المثبت على الرأس Head Mounted Display وقفاز البيانات Data Gloveالمرتبطة بحاسوب، من التجوال في المكتبة والتعرف على مصادر معلوماتها بالتصفح والاستطلاع، وقد ظهر هذا النوع مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين، والجدير بالذكر إن المكتبات الافتراضية ليست نوعاً جديدا من المكتبات مستقل بذاته، وإنما هي مكتبات مفترضة تحاكي مكتبات عالمية موجودة فعلا مثل، مكتبة الإعارة البريطانية التي كانت رائدة في تطبيق هذا النوع. كما إن المكتبات الافتراضية، تعتمد بشكل كامل على البيئة الرقمية للمعلومات.
بعد استعراض المستويات الثلاث للحوسبة في المكتبات. نلاحظ إن كل مستوى قائم على المستوى السابق، وأحيانا مكملا له
• فالمكتبات المحوسبة هي في واقع الأمر، مكتبات تقليدية استثمرت تقنيات الحواسيب في تبسيط إجراءاتها وتحسين خدماتها بما يتلاءم ومتطلبات عصر المعلومات، والحاجات الملحة للمستفيدين.
• أما المكتبات الرقمية، فتعد نوعاً متقدما في مستويات الحوسبة لتشمل جميع مفاصل ومراحل العمل المكتبي، بدء من الاختيار والتزويد والمعالجة والخزن والاسترجاع وانتهاءً بالتوزيع الرقمي لمصادر معلوماتها.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق